JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Accueil

هل يمثل الجولاني تيارا تجديديا داخل القاعدة



عبد الغني مزوز--- 



يكاد يجمع المراقبون والمهتمون بالظاهرة الجهادية أن جبهة النصرة تمثل حالة جهادية فريدة, فقائدها أبو محمد الجولاني وان خرج من صميم المدرسة الجهادية في العراق الموسومة بالتشدد والحزم والصرامة, إلا أنه استطاع الاحتفاظ بنكهة أفغانية تذكر بالرعيل الأول من قادة القاعدة "المعتدلين", وتبنى خطابا جهاديا " منفتحا" استطاع بواسطته أن يطرح مشروع وفكرة القاعدة(جبهة النصرة) بصيغة جديدة جعلت معظم السوريين ينظرون إليها كبديل معقول عن كل الأيديولوجيات والأفكار الكيانات الأخرى الناشطة في سوريا. وحتى عندما أدرجتها الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية لم تكلف نفسها عناء الرد والتعليق على القرار الأمريكي بل تركت جموع الشعب السوري يرد على أمريكا في جمعة رفع فيها المتظاهرون شعار " كلنا جبهة النصرة", وهو ما يعكس مستوى القبول الذي تحظى به جبهة النصرة بين عموم الشعب السوري.

بعد التناحر الذي وقع بين بعض الفصائل الإسلامية والثورية في سوريا و تبادل معظم المجاميع القتالية تهم التخوين والعمالة والاختراق, ظلت جبهة النصرة الفصيل الوحيد الذي نأى بنفسه عن هذه المناوشات كما احتفظت جبهة النصرة لنفسها بسجل ثوري نظيف فلم تسجل بحقها أي شكوى لا من فرد ولا من جماعة.

الجولاني المسئول العام..

كان أول ما لفت في إعلان جبهة النصرة لقب قائدها الفاتح أبو محمد الجولاني, فلقب الجولاني كان يمكن أن يعوض بالشامي أو السوري أو الأنصاري لكن اختيار اسم الجولاني له رمزية كبيرة انه تلميح بعودة الحركة الجهادية العالمية إلى مسارها الأول الذي رسمه مؤسسها الراحل أسامة بن لادن انه الوفاء للقسم الشهير " حتى نعيشه واقعا في فلسطين " و "لننصرنكم ولو حبوا على الركب" و "لن نسمح أن تتكرر مأساة الأندلس في فلسطين مرة أخرى".

تطرح صفة أبو محمد الجولاني داخل تنظيمه ملاحظات عديدة فهو لا يقدم نفسه باعتباره أميرا بل مسئولا عاما فقط, وبالتالي فإنه يرى في منصبه مهمة ثقيلة ومسؤولية جسيمة و قد يعزل منه إذا ما قصر أو اعتراه ضعف وعدم كفاءة, بخلاف من يرى في نفسه أميرا مع ما يصاحب هذه الصفة من جدال فقهي حول البيعة والإمارة هل هي عامة أم خاصة وهل يجوز الخروج عن أمير الجماعة أم لا وما هي حدود الطاعة داخلها إلى غير ذلك من الإشكالات الفقهية التي مازالت مثار جدل لدى الجهاديين, كل هذه التعقيدات والثغرات في الفكر الجهادي تجاوزها الجولاني عندما اعتبر نفسه مسئولا عاما فقط وهي صفة إدارية إجرائية أكثر منها دينية.

الخطاب السياسي

من النادر جدا أن تقف في أدبيات القاعدة على مادة يمكن إدراجها في إطار الفقه السياسي أو الخطاب السياسي الواضح, الخطاب السياسي للقاعدة مختصر في عبارة " تطبيق الشريعة" لكن دون طرح تصور إجرائي واقعي لماهية لهذا التحكيم, وكيف سيتم حسم الخلافات المفترضة بين الفرقاء الجهاديين في سياق التأسيس لنظام شرعي إسلامي. الجولاني استطاع تجاوز هذا القصور الفكري عندما قدم رؤيته السياسية لمستقبل سوريا التي بناها على أساس المشاركة لا الإنفراد والاستحواذ, وفقا لمقتضيات الإسلام والشريعة.

التميز في الخطاب الذي تبناه الجولاني يكمن في طبيعته المركبة بين خطاب جهادي لا يساوم على ثوابت الحركة الجهادية العالمية وخطاب سياسي وشعبي منفتح, وبالتالي مأسسة المشروع الجهادي والانتقال به من فضاء النخبة إلى الفضاء العام والشعبي وهو ما سنبينه لاحقا.

نقطة الخلاف بين أبو بكر البغدادي وبين أبي محمد الجولاني تكمن في الرؤية السياسية لكليهما, فالبغدادي يرى أن شرعية دولته تكمن في مناداتها بتحكيم الشريعة, والجولاني يرى أن الشورى وإشراك الفصائل الأخرى في المصير السياسي لسوريا من ركائز المشروعية السياسية, ولذلك لم يستطع أن يخفي الشعور بالإهانة عندما ضم تنظيمه إلى دولة العراق الإسلامية دون مشورة منه أو حتى إخطاره مسبقا, كما رأى في الخطوة افتئاتا على الفصائل الإسلامية الأخرى, وان اعترف بفضل البغدادي عليه وأنه كان مبعوثا من قبله من أجل التأسيس لنواة جهادية في سوريا.

الجولاني صرح على الأقل مرتين أنه لا ينوي الانفراد بحكم سوريا, بل فصل في هذه النقطة أكثر في لقاءه مع تيسير علوني مراسل الجزيرة في سوريا عندما صرح أنه بعد سقوط النظام ستعقد مجالس للشورى لا تستثني أحدا من المفكرين و الخبراء وأهل العلم بهدف التوافق على رؤية سياسية لمستقبل سوريا, تكون فيها السيادة للإسلام والشريعة, وهذه نقلة نوعية في الفكر السياسي الجهادي لم يطرحها أحد غير الجولاني.

النشاط الإعلامي

على الصعيد الإعلامي تبدوا جبهة النصرة مختلفة عن غيرها من الحركات الجهادية, أول ملحوظة تسجل في هذا السياق هي اعتماد جبهة النصرة على الصورة الفوتوغرافية الثابتة موازاة مع الشريط المرئي, وهو ما كان مهمشا في السياسة الإعلامية لأفرع القاعدة الأخرى. الكادر الإعلامي للجبهة وعى أهمية الصورة الفوتوغرافية وما تحدثه من تأثير في نفسية المتلقي, كما أن بيانات العمليات تصاغ بطريقة مبتكرة, ففي بنر دعائي واحد صغير تلخص تفاصيل العملية في سطر أو سطرين مع صور مصغرة ريثما تصدر بيانات مفصلة معززة بالصور أو يتم صياغتها على شكل سيناريو لفيلم مرئي أو وثائقي.

التغطية الإعلامية للجبهة تنشط في محورين, المحور العسكري وتغطيه مؤسسة المنارة البيضاء والنشاط الاجتماعي وتغطيه وكالة همم, وهذه استراتيجيه إعلامية غير مسبوقة كذلك, وهي تعزز ما قلناه في الأعلى من سعي جبهة النصرة إلى النزول بالمشروع الجهادي من مصاف النخبة إلى الفضاء الشعبي, فالنشاط الإغاثي المكثف للجبهة ونزول ناشطيها إلى قلب الأحياء السكنية والتجمعات الشعبية, وتغليب الرفق واللين في التعامل مع الناس خلق قبولا لفكرة القاعدة بين العامة من الشعب السوري بمختلف شرائحه وتوجهاته, وهذا نادر في الحركات الجهادية التي يغلب عليها الطابع النخبوي و العسكري البحت.

تركيز المواجهة

اعتمدت جبهة النصرة مند انطلاقتها سياسة تحييد الخصوم ما أمكن وتركيز المعركة على النظام والميلشيات المؤيدة له, بخلاف بعض الجماعات الجهادية التي تفتح النار في كل الاتجاهات, وتحارب في عدة جبهات وفي وقت واحد. حتى في الخطاب الإعلامي للجبهة هناك انضباط يصب في هذا الاتجاه, فمثلا هناك تغاضي عن الحكام العرب والغرب مع أن الثابت عند معظم الجماعات الجهادية هو الإدانة المستمرة لهم في البيانات والكلمات والإصدارات المرئية, لكن جبهة النصرة اختارت تركيز معركتها مع النظام فقط وحلفاءه الفعليين, بخلاف أبو مصعب الزرقاوي مثلا الذي خاض معركة كونية في العراق استهدف فيها سفارات الدول العربية والأجنبية ومباني الأمم المتحدة والميلشيات الشيعية وسار أبو عمر البغدادي على نهجه ففتح جبهة موسعة مع الصحوات ورجال العشائر الموالين للحكومة والمسيحيين والأيزيديين. حتى عندما أدرجت الولايات المتحدة جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية لم تنفعل قيادة جبهة النصرة بل استمر نشاطها كأن شيء لم يحصل, وتركت مهمة الرد على الولايات المتحدة لجموع الشعب السوري الذي خرج منددا بالقرار الأمريكي.

طالبان سوريا

في الآونة الأخيرة نشبت خلافات حادة بين مختلف الفصائل الإسلامية والثورية في سوريا, انتهت بالتحارب والقتال مع تهم التخوين والعمالة وحتى التكفير في بعض الحالات, معظم الفصائل تورطت في هذه المحرقة البينية باستثناء جبهة النصرة التي التزمت الحياد التام مع مبادرة تصالحية طرحها الجولاني في محاولة منه لاحتواء الأزمة الآخذة بالاستفحال, مند بداية الاحتراب بين الفصائل الثورية في سوريا وأطراف عدة تحاول الزج بجبهة النصرة في هذه الأزمة فانتشرت بيانات مزورة منسوبة إليها, وادعت بعض الفضائيات والصحف أن جبهة النصرة تسيطر على مقرات الدولة الإسلامية وتحارب إلى جانب الجيش الحر والجبهة الإسلامية. وهو ما نفته جبهة النصرة جملة وتفصيلا مع أن أميرها في الرقة مازال محتجزا لدى الدولة الإسلامية في العراق والشام, كما أن المدعو سمير كعكة المسئول الشرعي لجيش الإسلام اتهم الجولاني بأنه مجهول ورجل مخابرات لا يجوز الانضمام لجماعته, وهو الاتهام الذي قابلته الجبهة بالصفح والتغاضي, وجاء رد أبو مارية المسئول الشرعي للجبهة على سمير كعكا وديا إلى درجة كبيرة.

هذا الاقتتال الذي تشهده الساحة الثورية في سوريا والذي يبدوا أن الجميع متورط فيه باستثناء جبهة النصرة, سيولد انطباعا لدى عموم السوريين أن جبهة النصرة هي الأجدر بتمثيل سوريا وثورتها. بعد أن تغرق جميع الفصائل الأخرى في دوامة الاحتراب الداخلي أنذالك ستظهر جبهة النصرة كبديل عن الجميع على غرار حركة طالبان في أفغانستان التي ظهرت والتف الأفغان حولها بعد اقتتال الأحزاب الأفغانية فيما بينها واحتراقها جميعا.

أبو محمد الجولاني أثار إعجاب قطاع عريض من الإسلاميين حتى من غير المؤيدين للأطروحات الجهادية, ففي لقاءه مع تيسير علوني مراسل الجزيرة وان كان لا يظهر من هيئته سوى ساعته الأنيقة, إلا أن حضوره كان آسرا, ولا شك أنه يتمتع بكاريزما وشخصية جذابة, وكلامه كان بمنتهى العمق والرزانة والهدوء, حتى وهو يرتجل في كلامه فانه كان حريصا على اختيار العبارات المناسبة بعيدا عن الكلام الإنشائي والوعضي المعتاد من بعض القادة الجهاديين. قبوله الظهور لأول مرة على شاشة الجزيرة خطوة لها دلالتها, فالعلاقة بين قناة الجزيرة وجهاديي العراق ساءت كثيرا على خلفية تغطية الجزيرة ونقلها لفعاليات المقاومة هناك وبعض التسجيلات الصوتية لأسامة بن لادن التي رأى الجهاديون أن الجزيرة تتلاعب بها وفق أجندتها الخاصة, مع هذا الخلاف ظلت القاعدة في أفغانستان تحتفظ بعلاقات ودية مع مراسلي الجزيرة وموفديها, فقد أجرى أحمد زيدان مراسل الجزيرة عدة لقاءات مع قادة القاعدة هناك أبرزهم مصطفى أبو اليزيد القائد العام لتنظيم القاعدة الراحل.

إعادة مد جسور الثقة بين الجهاديين والجزيرة يعزز خطاب أبو محمد الجولاني المتمرد على مدرسة العراق الجهادية وهو كذلك بعث للخطاب الجهادي الخراساني المعتدل, كما أنه يصب في خانة تحييد الخصوم وكسبهم وهو الفن الذي يتقنه الجولاني بجدارة.


لا تنسى متابعتنا على تويتر للمزيد من المقالات والتحليلات









NomE-mailMessage