JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

المد الإعلامي وانحسار الديكتاتوريات


-->
عبد الغني مزوز--
في ظل المشهد الأسطوري العجيب الذي جسدته الشعوب العربية وهي تنازل بإمكانياتها الذاتية كيانات سادية متمترسة خلف ترسانة جبارة من الحديد والنار،بهدف التنكيل بهذه الشعوب واجهاض أحلامها المشروعة في التحرر والانعتاق والعيش بكرامة تليق بالإنسان العربي أسوة بباقي إخوانه في الإنسانية،في ظل هذا المشهد الفذ نقترح طرح السؤال الأتي:كيف ساهم المد التقني المعلوماتي في انحسار الدكتاتوريات العربية وأفولها ؟.

من المؤكد والمتفق فيه بين مختلف المراقبين لسياق ودينامية الثورات العربية أن هذه الثورات سبقتها ثورة إعلامية الكترونية أنهت احتكار الدولة البوليسية للمعلومة،هذا الاحتكار الذي لازمته مجموعة من العمليات التي كانت حكرا على مؤسسات الدولة البوليسية مثل:
الاستحواذ على المجال العام بتعبير "يورغن هابرماس" ،وإدارته وفقا لمصالح النظام وبما يضمن بقاءه واستمراريته فلا تسمح الدولة بتدفق الآراء والمواد الإعلامية إلا بقدر ما يتوافق مع الخطاب الرسمي السائد.
تحويل الوظيفة "التواصلية" لوسائل الإعلام الجماهيري إلى وضيفة "اتصالية" أحادية الخطاب والاتجاه،فتحولت بذلك وسائل الإعلام من أدواة للحوار والتواصل إلى آليات للقمع والإخضاع والاحتواء والعنف الرمزي.
احتكار عملية صنع الخبر وقراءة الصورة،فأجهزة الإعلام في ظل الاستبداد تحتكر إنتاج المحتوى الإعلامي كما تحتكر قراءته لأن المحتوى بحد ذاته شيء وقراءته شيء أخر، فمثلا الصورة بذاتها قد تكون محايدة وغير مؤدلجة لكن التعليق والخلفية الموسيقية المصاحبة لها، تجعل الصورة تنطق بأشياء بعيدة كل البعد عن رسالتها الحقيقية.
ماكس فيبر عندما تحدث عن العنف والسلطة أكد على  وجود عنف مشروع تحتكره الدولة لضمان تنفيذ القانون والخروج من اللانظام الذي تتسم به المجتمعات البدائية،لكن المنظومة الاستبدادية العربية قامت باحتكار العنف بشقية الرمزي والمادي من أجل إقرار وترسيخ حالة الخوف واللانظام في المجتمع لتضمن أحقيتها في امتلاك كل شيء موازاة مع ترفعها عن كل حساب ومساءلة.
ولعل الوظيفة الأساسية التي كانت تؤديها "الغوبلزية "العربية على امتداد الأقطار العربية هي التعبئة السياسية والاجتماعية والفكرية لصالح الأنظمة القائمة وتحويل أجهزة الإعلام -من خلال القضاء على التعددية والاختلاف الذي تتسم به الفضاءات الديمقراطية-إلى بوق دعائي للنظام وسياساته  ورجالاته ومؤسساته، فالنشرة الإخبارية تتحدث عن الزعيم وأمجاده والمجلة تتغنى ببطولاته الجريدة تسهب في سرد منجزاته والصورة العملاقة في الشارع والواجهات ترسخ هيبته المصطنعة وجلالته المزعومة وكاريزميته المزيفة التي يبدع محترفو الفوتوشوب في إبرازها بكل اقتدار.
بعد الطفرة الإعلامية التي حدثت بظهور صيغ وأنساق جديدة للإعلام والتواصل تجسدت في وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر واليوتيوب والرسائل القصيرة للجول،حدثت انتكاسة ورجة في بنية ومنظومة الاتصال والدعاية التابعة للنظم الاستبدادية تمثلت في وضع حد لحالة احتكارها للخبر والمعلومة والصورة والتعليق، وجعلها في متناول شرائح عريضة من القواعد الشعبية فوسائل التواصل الاجتماعي خلقت منظومة اتصالية شعبية موازية بل ومتفوقة أحيانا على تلك التي تحتكرها الدولة مما مكن الشعوب من إنتاج خطابها السياسي الموازي والدعاية له وتجاوز كل سرديات النظام الرسمية، والالتفاف على كل أشكال الرقابة التي تمارسها السلطة على الأنماط الإعلامية التقليدية، كما أن هذه الوسائل الحديثة ولطابعها الكوني العولمي مكن الشعوب من تدويل خطابها وعولمة قضاياها وكسب تعاطف العالم الحر ومؤسساته، مما جعل الأنظمة المحلية المتداعية تقدم وبشكل هستيري غير مدروس على خطوات سخيفة للحد من تأثير هذه الوسائل وذلك  بحجبها أو قطع الانترنت أحيانا أو باعتقال الناشطين في حالات كثيرة مما جدر أزمة هذه الأنظمة وحشرها في زاوية النقد والإدانة وفقدان الشرعية.
إن هذه الوسائل الاتصالية الحديثة وحسن استخدام الشعوب العربية لها جعلها في غير ما حالة عربية تضطلع بمهمة نقل الخبر والمعلومة لوحدها، في غياب تام لأية وسيلة اتصالية تقليدية خاضعة للرقابة ومتحكم فيها ،كما هو الوضع في الحالة السورية، فالمقابلات المرئية والمباشرة التي كانت تنقل بواسطة الأقمار الاصطناعية باتت برامج السكايب والمحادثة الأخرى تقوم بها بجدارة ونجاح،وخدمة البث المباشر أصبحت تقوم به الموبايلات وأجهزة اللابتوب ،وما كانت تقوم به وكالة أنباء مرموقة من تقديم الأخبار المعززة بالصور ومقاطع الفيديو باتت تقوم به صفحة واحدة على الفيسبوك،والخدمات التي يقوم بها مراسل صحفي متمرس بإمكان ألان أي مواطن يمتلك هاتف نقالا وكمبيوتر محمول متصل بالانترنت أن يقوم بها بكل إبداع واحترافية.
هذا إضافة إلى خاصية إفلات هذه الوسائل من كل أشكال الرقابة وحصانتها من الرصد والتعقب، باستخدام برامج مخصصة لهذا الغرض كبرامج البروكسي وإخفاء الابي وتجاوز الحجب والتصفح الآمن..فيبقى  مستخدميه في منأى عن أجهزة السلطة ورقابتها.
فالشعوب العربية أحسنت صنعا بتوظيفها هذه الوسائل أحسن توظيف ولعل مخترعي هذه الأجهزة الحديثة والمواقع التواصلية لم يدر بخلدهم أنها ستتحول إلى أدواة لاقتلاع الجبابرة وكنس الطغاة..لقد كان غرضهم منها هو التواصل الاجتماعي والتسلية المترفة، لأن فظاءات النقاش والحوار والنقد عندهم متاحة على أرض الواقع  تنص عليها الدساتير وتكفلها القوانين وتؤطرها مؤسسات المجتمع المدني و الصحافة الحرة، على عكس ما تعيشه الشعوب العربية في ظل أنظمة أسرية عصاباتية مافيوية بدأت تأفل غير مأسوف عليها. من خنق للأنفاس قبل الحريات ونصب المشانق للأحرار ودعاة الإصلاح، فانزاح هؤلاء الأحرار والمصلحين إلى الفضاء الافتراضي واتخذوه بديلا موازيا للفضاء الواقعي الذي أقسموا على تغييره.

الاسمبريد إلكترونيرسالة