JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

سيد قطب يبعث من جديد


لقد شكل مفهوم "الحاكمية " محور التنظير والإنتاج الفكري للمفكر والأديب الراحل سيد قطب، فقد اعتبر أن الحاكمية أهم خاصية من خصائص الإلوهية ولا ينبغي لأي مخلوق أو هيئة أو مؤسسة أن تنازع الله في هده الخاصية،
لقد سخر سيد قطب كل إمكانياته الفكرية والأدبية واللغوية لهذا المبدأ الذي يعتبره حدا فاصلا بين الإسلام و"الجاهلية"،لذلك جاءت كل أعماله الفكرية الكبيرة ابتدءا من "الظلال" وانتهاء "بمعالم في الطريق" في سبيل توضيح هذا المبدأ وإبراز أهميته ،لأنه الخطوة الأولى حسبه في تكوين "القاعدة الصلبة" وإعادة إحياء النظام الإسلامي الراشدي من جديد.هذه الأفكار التي استودعا سيد قطب كتبه ودراساته ،وقدم روحه فداءا لها وإيمانا بصدقيتها ،ظلت لعقود طويلة المتكئ الفكري والمسوغ الشرعي والعقدي لنشأة الخطاب السياسي الإسلامي وإثراءه. غير أنه وفي ظل أنظمة الجبر والاستبداد عان الفكر السياسي الإسلامي والقطبي منه على وجه

الخصوص من حصار خانق واضطهاد مريع، على امتداد العالمين العربي والإسلامي، فامتلأت السجون والمعتقلات والمنافي بآلاف الرواد والمفكرين والدعاة المنتمين إلى ما عرف بالحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية.
مند الحقبة الناصرية إلى ما قبل الثورات العربية ظلت الحركة الإسلامية في مرمى نيران الأنظمة العربية ،ومن ورائها قوى الغرب التي ما فتأت تحرض الحكومات على التصدي للخطر الأصولي الإسلامي، ولعقود طويلة كافحت الحركة الإسلامية وحاولت جاهدة الصمود في وجه التحديات التي تتهددها،فعززت وجودها في وجدان وضمير الأمة من خلال انخراطها الفعال في فعاليات المقاومة للمحتل والمستعمر الأجنبي لعدد من الأقطار الإسلامية، كما ساهم اهتمامها بالنشاط الخيري الإنساني والاجتماعي في تكوين قاعدة شعبية حاضنة لها .وأخيرا فان الحضور الفكري والعلمي والأكاديمي للحركة الإسلامية قوي جدا وتمتع أفرادها بالتكوين و التفوق العلمي مكنها من التغلغل في المؤسسات التعليمية والجامعية ومن ثم إعادة إنتاج نفسه باستمرار.
خاضت الحركة الإسلامية تجارب ديمقراطية في ظل أنظمة الاستبداد، محاولة إحياء مبدأ الحاكمية وإعادة الاعتبار له، غير أن كل التجارب أجهضت قبل أن تؤتي تمارها كما هو حالها في الجزائر وفلسطين وغيرهما.
صمدت الحركة الإسلامية في وجه الطغيان الداخلي والمؤامرات الخارجية التي بلغت أوجها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين،غير أن هبوب رياح الثورة على المنطقة العربية وتفكك أنظمة الجبر,أعادت من جديد قضايا الفكر السياسي الإسلامي ومفاهيمه إلى الواجهة وأصبح توحيد الحاكمية مثارا للجدل والنقاش، إلى جانب مفاهيم أخرى مثل "الدولة المدنية" و"الدولة الدينية" وغيرهما.
لقد عادت روح سيد قطب الثورية من جديد لا لتستوطن بطون الكتب والمؤلفات كما كان حالها مند عقود ،بل لتستوطن ميادين التحرير وساحات التغيير من خلال الحشود الغفيرة من أبناء الحركة الإسلامية التي تنادي بعودة الشريعة والانعتاق من "عبادة الطاغوت"،هذه النداءات التي توجت باكتساح الحركات الإسلامية للمشهد السياسي العربي، إما من خلال انتخابات شهد العالم بنزاهتها كما في الحالة التونسية وإما من خلال إسهاماتها النوعية في فعاليات الثورة كما في الحالتين الليبية والمصرية.
إذن فنحن أمام محطة تاريخية ومفصلية تنتقل فيها الحركة الإسلامية من مرحلة الدفاع وتوكيد الذات والتربية والتنظير الفكري والتأثير الوجداني، إلى مرحلة البناء الحضاري والتطبيق العملي لأدبياتها التي ظلت وفية لها على امتداد تاريخها.
فهل نشهد اليوم إرهاصات المرحلة التي استشرفها سيد قطب وهو يساق إلى حبل المشنقة وعنون بها كتابه الموسوم ب"المستقبل لهذا الدين".

عبد الغني مزوز

الاسمبريد إلكترونيرسالة