JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

ماذا لو وصل أنصار الشريعة إلى صنعاء قبل أن تصل حكومة الوفاق إلى أبين؟!


عبد الرزاق الجمل--

سيطرة أنصار الشريعة على مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء كانت نتيجة متوقعة وطبيعية لجهد أشهر من العمل الناعم داخل المدينة، ولم تكن السيطرة مفاجئة ولم يلعب عامل القوة الدور الرئيسي في سيطرتهم عليها، كما حاولت أن تصور ذلك بعض وسائل الإعلام في تناولها للحدث، وهي معذورة في ذلك، كونها اطلعت فقط على خبر السيطرة دون أن تكون لديها خلفية عن مقدماته، لأن الاهتمام في الفترة الماضية تركز بشكل شبه كلي على ما كان يحدث في العاصمة صنعاء بين النظام وخصومه، على خلفية مطالب الثورة الشبابية الشعبية، ولم تكن الإشارة إلى قضية تمدد تنظيم القاعدة في المحافظات لتأتي إلا في إطار الإدانة من قبل كل طرف للطرف الآخر بعلاقة من أي نوع تجمعه بالتنظيم ساعدتْ على هذا التمدد. والطرفان في التسابق على التهمة المذكورة كان يغازلان أمريكا التي يرون أن لها كلمة الفصل في الأزمة وأنها ستقول كلمتها لصالح من ترى أنه قادر على التعامل المطلوب مع هذا الملف، بدليل أن موضوع السيادة الوطنية وانتهاكها لم يفتح على الإطلاق خلال فترة الثورة، مع وجود ما يستدعي فتحه وبقوة، حيث ظل الطيران الأمريكي التجسسي يستبيح الأجواء اليمنية طولا وعرضا، والمعارضة كانت بارعة في استغلال هذا من قبل، ولا يتسع الوقت لسرد مواقف سابقة لهم من هذه القضية.

وسبق لبعض وسائل الإعلام، بالذات التابعة للمعارضة، أن تحدثت قبل أشهر عن وجود لأنصار الشريعة في محافظة البيضاء، لكن تلك الوسائل، وكعادتها، قالت إنهم بلاطجة تابعون لنظام الرئيس صالح وإن نظام صالح ينوي تسليم المحافظة لأولئك رغبة منه في اللعب بملف حساس سيثير قلقا لدى الولايات المتحدة الأمريكية وربما يفرض عليها موقفا آخر من مسألة رحيله عن السلطة. وتجاهلت تلك الوسائل التحليق الدائم للطائرات الأمريكية من دون طيار في سماء المحافظة، وهذه الطائرات لن تحلق من فراغ أو إن كان المسلحون المتواجدون في المدينة تابعين للنظام، لأن معلومات الولايات المتحدة الأمريكية دقيقة جدا في هذا الجانب ولا تستند على تحليلات كهذه. وبرغم أن المعارضة نجحت في كسب ود أمريكا من خلال وعود قطعتها لها سرا وعلانية بخصوص الحرب على الإرهاب، إلا أنها أثارت غضب القاعدة، وما يجري في محافظة البيضاء وغيرها، هو من نتاج هذا الغضب بشكل أو بآخر، إذ توشك أمور البلد أن تؤول في القريب العاجل إلى من يرى أنصار الشريعة أنهم أكثر عمالة ممن سبقوهم. ويبدو أن ما ستخسره حكومة المعارضة من غضب أنصار الشريعة عليها أكثر مما ستكسبه من رضا الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية عنها، لاسيما وأن فرصة نجاح حكومة المعارضة مرهون بضرورة تحقيق الكثير من العمل في القليل من الوقت، وهو ما لا يمكن تحقيقه في بلد يعاني من إرهاق شديد وقريب عهد بأزمة لا يبدو أنها ستنتهي بمجرد رحيل صالح من السلطة أو حتى من البلد، حتى لو حصلت على دعم سخي من الجانب الأمريكي والسعودي، وهو ما يدركه أنصار الشريعة جيدا ويتصرفون وفق إدراكهم له منذ بداية الأزمة حين سيطروا على محافظة أبين وحتى لحظتها الراهنة حين دخلوا محافظة البيضاء بشكل لم يكن متوقعا على الإطلاق.


ومحافظة البيضاء هي محافظات قريبة حدوديا لمحافظة أبين التي يسيطر عليها أنصار الشريعة بشكل كلي منذ 29\مايو\ 2011م، بل إن بعض مناطق محافظة أبين أعيدت لمحافظة البيضاء ضمن تقسيم إداري معروف، كمنطقة مكيراس. بالإضافة إلى قرب محافظة البيضاء من محافظة شبوة التي يسيطر أنصار الشريعة على أجزاء كبيرة منها. وكذا محافظة مأرب التي للتنظيم فيها تواجد قوي، وهذا يعني أن بمقدورهم التحرك بسهولة في هذه المحافظة الحدودية مع تلك المحافظات. كما أن باقي مناطق البيضاء ستكون بين مدينة رداع وبين آخر نفوذ لأنصار الشريعة من مناطق محافظة أبين. ومحافظة البيضاء قريبة أيضا من محافظة لحج التي يتواجد فيها التنظيم بقوة، وهي (أي لحج) على حدود مع محافظة أبين خصوصا من جهة مديرية خنفر القريبة من مناطق يافع والتي تعتبر مركزا رئيسيا للقاعدة. أي أن باقي مناطق البيضاء حتى لو بقيت خارج السيـطرة، ستكون ضمن النطاق الجغرافي الذي يسيطر عليه تنظيم أنصار الشريعة، ولن يكون بمقدور من فيها مواجهة كل هذه الظروف في حال قرروا مواجهة مسلحي أنصار الشريعة أو التحرك باتجاه مدينة رداع لإخراجهم منها، بل إن هذا قد يعطي المبرر لأنصار الشريعة للاستيلاء على محافظة البيضاء بالكامل، من جهة رداع ومن جهة أبين، ولعل هذا الأمر كان مرسوما بدقة من قبل التنظيم حين بدأ نشاطه هناك، بالإضافة إلى الظروف التي مثلت فرصة لبدء عملية السيطرة أو إعلانها، مع أن مقاتلي أنصار الشريعة يرجعون سبب السيطرة المباشر التي تمت هذا الأسبوع إلى اعتداء قوات الحرس الجمهوري على الشيخ الذهب وانتصار أنصار الشريعة له.

يضاف إلى ما تقدم أن المسئول الشرعي لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، أو لما بات يُعرف باسم "أنصار الشريعة" الشيخ أبو الزبير عادل العباب، هو من أبناء مدينة رداع التي يتولون إدارتها الآن، بالإضافة إلى وجود آخرين انضموا إلى التنظيم في الآونة الأخيرة، ومن بينهم شخصيات اجتماعية مؤثرة، وينتمون إلى قبائل لها ثقلها في المدينة، كقبائـل قيفـة التي ينتمي إليها الشيخ طارق الذهب وغيرهـا. وهو أمر يقلل من فرصة إثارة أبناء مدينة رداع ضد مسلحين ينتمي معظمهم إلى المدينة ذاتها، بل إن فرصة أنصار الشريعة في كسب باقي المعارضين لها، إن وجدوا، ربما تكون أكبر، على أن وجود معارضين لهذه السيطرة لا يعني الاصطدام المباشر، إلا بقدر ما يأتي في إطار الفعل وردة الفعل، وهذا لا يستمر طويلا، كما كان حاصلا في كل من مديريتي مودية ولودر بمحافظة أبين في الأسابيع الأولى من سيطرة أنصار الشريعة على المحافظة، لأن وجود منطقة صغيرة خارج سيطرة الجماعة في نطاق جغرافي أوسع تسيطر عليه، يعني السيطرة في نهاية المطاف، بدليل أن هذه الظروف تحول دون قيام سكان المنطقة الصغيرة تلك بأي إزعاج، ثم مع الأيام يبدأ التسليم بالأمر الواقع، على اعتبار أنه بقي أمرا واقعا ولم يكن مجرد حالة عابرة أوجدتها ظروف مؤقتة أو استثنائية وستنتهي بانتهائها.

ومع أن أمر البقاء من عدمه في مدينة رداع ليس مؤكدا حتى الآن، لأن أهداف السيطرة لم تتضح بشكل كلي بعد، إذ ربما تكون لأغراض أخرى، حيث سبق لأنصار الشريعة وأن سيطروا على مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج خلال ست ساعات فقط، قبل أن يخرجوا منها بإرادتهم، في عملية كان الغرض منها تخفيف الضغط العسكري الذي كانت تشهده محافظة أبين، إلا أن قدرة أنصار الشريعة على السيطرة بدت غير عادية، وتكرارها في الزمان والمكان الذي يحددونه وارد بقوة. مع العلم أن أنصار الشريعة لا يعانون ضغوطات عسكرية هذه الأيام في محافظة أبين، وهذا يعطينا تصورا أوضح عن قدرتهم العسكرية، ويكشف أيضا خطأ تقدير خصومهم وكذا تقدير نظام صالح وخصومه لقوتهم، تماما كخطأ تقدير هؤلاء الخصوم مجتمعين لخطوتهم التالية، إذ لم يكن يتوقع أحد أن يدخلوا مدينة رداع، ناهيك عن سيطرتهم عليها بالكامل، مع أن هذا لم يكن ليحدث بالفعل أو لم يكن ليستمر، إن حدث، لو لم يكن هناك تقبل شعبي داخلي من أبناء المدينة لهم.

على أن خروج أنصار الشريعة من مدينة رداع، إن تم، سواء بضغط عسكري أو لدوافع أخرى، لن يمثل خسارة لهم مادام أنهم باقون في المدينة بمشروعهم، والتخلص من هذا المشروع يعني التخلص من مدينة رداع ومن معظم أبنائها، والأمر ذاته ينطبق على المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم في محافظتي أبين وشبوة القريبتين، رغم الصورة المغايرة التي تنقلها وسائل الإعلام من موقف السكان من تواجد المسلحين في مناطقهم.

وسيطرة أنصار الشريعة على المناطق بهذا الشكل، أي من خلال أبنائها المقتنعين بمشروعهم، تعني الاستعصاء على الإزالة، لكنها تعني أيضا إلى أي مدى هم قادرون على تسويق مشروعهم والإقناع به، رغم أنهم يعيشون نتائج الحملة الدولية الإعلامية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضدهم منذ أكثر من عقد من الزمن. بمعنى أنهم لو عملوا في ظل ظروف طبيعية أو أفضل حالا من ظروفهم الحالية، كما هو حال جماعة الحوثي، فلن يوقف تمددهم شيء، على المستوى الفكري والعسكري، خصوصا في ظل بيئة خصبة وظروف مواتية كهذه.

وتأتي سيطرة أنصار الشريعة على المناطق التي تشهد فراغا أمنيا، على النقيض تماما من سيطرة جماعة الحوثي التي يصفها مؤسس حركة "الشباب المؤمن" محمد سالم عزان في حوار أخير مع صحيفة الناس بأنها تقوم على الإذلال والقهر. وهو ما تحدثت عنه تقارير صحافية لصحافيين زاروا محافظة صعدة في الآونة الأخيرة، حيث أشارت تلك التقارير إلى أن سكان المحافظة يعيشون جوا غير مسبوق من التسلط الفكري والمذهبي. وبرغم أن جماعة الحوثي فرضت أمنا نسبيا إلا أنها خلقت خوفا كبيرا لدى الناس من تبعات القيام بأية أعمال مخالفة لمزاج الحوثي.

ومؤخرا حاولت جماعة الحوثي أن تتواجد في بعض المحافظات عبر نشاطات دعوية تبشيرية، كمحافظة تعز التي وجد الحوثيون فيها من يساندهم من بعض خصوم النظام، خصوصا من قبل المنتمين إلى الحزب الاشتراكي في منطقة سامع والتربة وجبل صبر، لكن الفكر الحوثي في تلك المحافظة لا يحظى بتقبل سريع، كونه يتعارض مع طبيعة ثقافة أبناء محافظة تعز، وإن كان هذا النشاط يشكل خطرا مستقبليا كبيرا على أبناء المحافظة، خصوصا وأنه يدعو إلى فكر قائم على التمييز السلالي، ولهذا فإن أكثر من يروج لفكر الحوثي في المحافظة هم المنتمون إلى الأسرة الهاشمية، كبيت الجنيد وغيرهم. واللافت، وما هو مختلف أيضا عما يقوم به أنصار الشريعة، هو أن الحوثي يحاول إيجاد موطئ قدم له في مناطق تختلف عنه مذهبيا وعقائديا.

كيف ساعد الحوثي أنصار الشريعة على التمدد
تابع الجميع ما حدث في منطقة دماج السلفية من حصار حوثي استمر لأكثر من شهرين دون أن يتدخل النظام أو أحزاب المعارضة لرفعه، بل ربما باركوه، فالنظام يريد أن تكون هناك مظاهر فوضى بعد رحيله، والمعارضة لديها موقف سلبي من السلفيين بسبب مواقفهم المؤيدة لنظام صالح، لاعتبارات دينية. حتى شباب الثورة لم يصدروا بيانا واحد يدينون فيه حصار الحوثي لمنطقة دماج السلفية، رغم أن الحوثي حاول في بداية المطاف أن يغلف حصاره الطائفي بغلاف ثوري شبابي.

وكان أبناء المحافظات الشرقية، كالجوف ومأرب وشبوة، هم أكثر من تفاعل مع الحدث، كونهم سُـنَّـة ويدركون أن هذا الحصار قائم على أساس طائفي. ومن تلك المحافظات تحركت قوافل المساعدة التي وصلت إلى منطقة وائلة، ومنها أيضا أو وفيها ثارت مخاوفهم من التمدد الحوثي في ظل صمت او مباركة رسمية وغير رسمية، كما حدث في محافظة حجة وغيرها، ويعلم أبناء تلك المحافظات أن لا أحد يمكن أن يقف في وجه الحوثي سوى تنظيم القاعدة أو من باتوا يعرفون باسم أنصار الشريعة، خصوصا بعد العمليات التي قام بها التنظيم ضد جماعة الحوثي في محافظتي الجوف وصعدة، إضافة إلى المشاركة القوية لهم إلى جانب حزب الإصلاح خلال المعارك التي دارت بين الطرفين في محافظة الجوف قبل أشهر، وبالتالي فإن مباركة وجود أنصار الشريعة في تلك المحافظات وفي المحافظات القريبة منها، كمحافظة البيضاء، أمر طبيعي جدا تحسبا لهذا الخطر القادم.

وربما يثير هذا التمدد لأنصار الشريعة في المحافظات الجنوبية الشرقية قلق الحوثي ويدفعه إلى محاولة التمدد غربا، لكن الحوثي سيصطدم بالمشكلة ذاتها التي اصطدم بها في محافظة حجة القريبة حينما أراد السيطرة عليها بالقوة، حيث قوبل بمواجهة شرسة من قبل أبنائها كلفته كثيرا من الخسائر في الأرواح والمعدات، بالإضافة إلى الخسارة الإعلامية التي بدت أكبر من ذلك بكثير، لأنها كانت على حساب التعاطف الذي كسبه خلال حروبه الست مع النظام في محافظة صعدة والتي امتدت لأكثر من خمس سنوات وانتهت بسيطرة الحوثي على معظم مناطق المحافظة.

إعلام غير مسئول يصب في صالح أنصار الشريعة
كعادتها سارعت وسائل إعلام المعارضة إلى اتهام نظام صالح بتسليم المدينة لأنصار الشريعة، وساقت لذلك جملة من المبررات والدوافع، من التي يمكن أن تربطها بأي حدث تريد أن تربطه بصالح ونظامه، مع أن مدينة رداع ليست تحت سيطرة صالح حتى يسلمها لمسيطرين آخرين من مرتزقته، ككثير من المناطق ذات الطابع القبلي. ووجود الحكومة فيها رمزي جدا كما هو معلوم للجميع. وقالت تلك الوسائل أيضا إن المسيطرين هم بلاطجة تابعون للنظام، وفي هذا إساءة كبيرة لأبناء مدينة رداع من وجهين:

الأول أن أبناء رداع لم يصلوا إلى مرحلة من الضعف بحيث يسيطر على مدينتهم التي بها أكثر من خمس مديريات، مجموعة من مرتزقة الرئيس صالح، وقبائل رداع معروفة لدى الجميع بقوتها وببأسها الشديد.. الثاني أن معظم من يسيطر على مدينة رداع هم من أبناء المدينة نفسها، ولا شك بأن القول إن من سيطر عليها هم من مرتزقة صالح سيثير شعورا سيئا لدى أبنائها، وسيجعلهم أكثر قناعة بمصداقية ما يقوله أنصار الشريعة، تماما كما حدث في الأيام الأولى من السيطرة على محافظة أبين.

ثم إن أنصار الشريعة لم يكونوا يتواجدون في هذه المناطق قبل سيطرتهم عليها إلا لأنها خارج سيطرة النظام أصلا، إذ لا يمكنهم التواجد بهذا الشكل في العاصمة صنعاء أو في محافظة تعز، على سبيل المثال. والفرق الآن هو أن هناك اقتناعا شعبيا بالتحاكم إلى جهة قوية تحكم الشرع الذي يؤمنون تلقائيا بضرورة تحكيمه، كما يؤمنون أن النظام الذي أدار هذا البلد لعقود كان مهملا في هذا الجانب.

تصريحات خالد الذهب
طارت وسائل الإعلام فرحا بتصريحات أدلى بها الشيخ خالد الذهب شقيق الشيخ طارق الذهب قائد حملة السيطرة على مدينة رداع، لقناة العربية قال فيها إن المدينة سُلمت لأنصار الشريعة بعد تنسيق بين الشيخ طارق والأمن القومي وإن أنصار الشريعة دخلوا المدينة دون مواجهة تذكر من قبل قوات الأمن والجيش المرابطة هناك. علما أن خالد الذهب يسكن في صنعاء وليس في مدينة رداع.

وفي اتصال مع "الوسط" قال مقربون من الشيخ طارق الذهب إن كلام الشيخ خالد الذهب محض افتراء ولا أساس له من الصحة، وأرجعوا مثل تلك التصريحات إلى الخلفية الفكرية للشيخ خالد، كونه ينتمي إلى حزب الإصلاح، وحزب الإصلاح دأب على اتهام أنصار الشريعة بهذا منذ بداية الثورة، حد تعبيرهم.

ودلل المتصل على ذلك بأن السيطرة على المدينة بدأ بها رجال القبائل بعد اعتداء قوات الحرس الجمهوري على شقيق الشيخ طارق الذهب، أحمد الذهب، والتحق بهم أنصار الشريعة الذين كانوا متواجدين بقوة في المدينة ومديرياتها، ولو كان هناك تنسيق لما تمت أمور السيطرة على المدينة بهذا الشكل، كما كذَّب المتصل الأخبار التي تحدثت عن عدم وجود مقاومة، وأكد أن مواجهات تمت بين الجيش وأنصار الشريعة، وبين أنصار الشريعة أيضا ومسلحين يتبعون جماعة الحوثي.

التقاط الفرص السانحة
ومع ذلك فلو كانت القاعدة قوة يديرها الرئيس صالح لما تردد لحظة واحدة في رفض الضغوطات الإقليمية والدولية عليه بتسليم السلطة، لكنها قوة قائمة بذاتها ربما تستغل رغبة النظام في الانتقام من خصومه لصالحها ضد من ترى أن الانتقام منهم لا ينعكس سلبا على الوطن، إن لم يكن العكس، على اعتبار أن رغبة تلك القوى في الانتقام من صالح أو في إزالته باسم الشعب وإرادته، اقتضى أن تقدم البلد على طبق من ذهب للخارج الإقليمي والدولي، وهو أمر سيكلف البلد الكثير، من وجهة نظر أنصار الشريعة، حتى وإن بدا في ظاهرة متناغما مع المصلحة العامة للبلد بسبب الكم الهائل من المخاوف التي افترضوها لكثير من الخيارات التي تحيد الخارج عن التدخل في شئون البلد الداخلية.

لكن الناس لن يفرقوا بين استغلال أنصار الشريعة لفرص جلبها تقاطع عداء أطراف الأزمة وبين أن يعني ذلك وجود علاقة تربطهم بالنظام، لأن ما يحدث يقول إن التنظيم يستغل النظام وليس العكس، ومبلغ النظام من كل هذا هو أن يشعر بحلاوة انتصار آخرين على من جرعوه مرارة الخسارة، خصوصا وأن منهم أمريكا التي ظل صالح يعمل لها ولمصالحها طوال بقائه في الحكم ثم قالت له في نهاية المطاف "لم أر منك خيرا قط". هذا على افتراض أن تواصلا تم بدافع من استغلال الموقف، وهو بعيد جدا.

أمر آخر يجب أن يوضع في حسبان كل متابع وهو أن أنصار صالح، خصوصا ممن لهم نفوذ وتأثير من خلال مناصب شغلوها في نظامه، غير راضيين بما آلت إليه الأمور، ويرون أن مخاوف صالح على أو من المستقبل دفعته إلى التوقيع على نقل السلطة، بينما هي مجرد مخاوف كان الواقع كفيلا بتكذيبها.. والشاهد أن هؤلاء قد يقومون بما يعرقل استقرار الوضع لحكومة المعارضة. ومع أن هذه مجرد افتراضات للتأكيد على أن التواصل لو تم فعلا فلن يعني وجود علاقة وإنما هو استغلال من كل طرف لظروف الطرف الآخر، إلا أن الناس لا يفرقون بين الأمرين.

ولو قدر لباحث أن يجمع تصريحات مختلف الأطراف في هذا الجانب، لبدا أن الحديث عن علاقة التنظيم بالنظام أو عن تبعية الأول للثاني، أمر في غاية السطحية.. فعلى سبيل المثال يقول علي سالم البيض في آخر تصريح له إن في الجنوب قاعدتين، قاعدة تتبع علي محسن الأحمر، وقاعدة تتبع علي عبد الله صالح، وتضيف أمريكا قاعدة ثالثة تتبع الشيخ أسامة بن لادن، أما القسم الرابع فكان يتحدث عنه الرئيس صالح قبل عامين أو نظامه حين كان يصف الحراك الجنوبي بـ"الحراك القاعدي. وقاعدة سادسة تتبع حزب الإصلاح أو متحالفة معه بحسب الأمين العام لحزب الحق حسن محمد زيد. وقاعدة سابعة تتبع أمريكا بحسب جماعة عبد الملك الحوثي. وهناك قاعدة ثامنة متخصص في شئونها سعيد عبيد الجمحي، وهذه تحديدا لا يُعرف أين تتواجد ولا لحساب من تعمل، وربما تكون هي القاعدة البغدادية، لأن كل ما يقوله عنها لا يمت إلى القاعدة التي نعرفها بصلة، أما القاعد التاسعة فتتبع إيران، بحسب الصديق نجيب غلاب، وأخيرا وليس آخرا قاعد تتبع السعودية بحسب صديق آخر يدعى طه الجند.

حضرموت في الجيب
يشير تواجد تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية الشرقية إلى أن التوسع الزائد له سيمكنه من التحكم بالطرق العامة التي تفصل المحافظات الشمالية عن المحافظات الجنوبية، خصوصا الطريقين اللذين يمران من شبوة ولحج، الأول إلى حضرموت والثاني إلى محافظة عدن التي نشط فيها التنظيم بقوة في الآونة الأخيرة.

نشاط التنظيم في مدينة عدن غلب عليه الطابع العسكري، من خلال العمليات التي استهدفت كثيرا من ضباط جهاز الأمن السياسي وغيره، أما نشاطه في محافظة حضرموت فغلب عليه الطابع الدعوي، وإذا ما تمكن التنظيم من التحكم في الطرق التي تفصل محافظات الشمال عن الجنوب، فسيدخل حضرموت دون جهد يذكر. وربما تكون محافظة البيضاء بداية ذلك.

باب المندب قبل هرمز
إغلاق مضيق باب المندب أو استهداف المرور فيه لناقلات النفط وغيرها هو ما كان ولا زال يقلق الولايات المتحدة الأمريكية من وجود تنظيم القاعدة في اليمن، وربما تكون الآن أكثر قلقا، بعد التمدد السريع للتنظيم في الأماكن القريبة جدا منه، خصوصا وأنها تدرك أكثر من غيرها قدرة التنظيم على فرض نفسه، بالذات في ظل ظروف كالتي تشهدها اليمن حاليا، مع أن هذا قد يبدو لمتابع أو لباحث يمني بعيدا أو مستحيلا، كون القاعدة، بالنسبة له كما هي بالنسبة للسواد الأعظم، جماعة تابعة لعلي صالح وستزول بزواله. وهذه النظرة هي التي تجعل المعنيين يخفقون في تعاملهم مع هذا الملف.

وهنا، وبناء على مخاوف أمريكا لا على نظرة اليمنيين للقاعدة، يمكن أن القول إن القاعدة قد تغلق مضيق باب المندب أو تهدده قبل أن تغلق إيران أو تهدد مضيق هرمز، إن كانت إيران ستغلقه أصلا أو تهدده، على اعتبار أن حرب أمريكا مع القاعدة قائمة، بينما لم تقم حرب أمريكا مع إيران بعد، وقد لا تقوم.

رداع
تقع مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء في الشرق الجنوبي للعاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحوالي 150 كيلو، كما تبعد عن محافظة ذمار بنحو 30 كيلو. وتبلغ مساحتها نصف مساحة محافظة البيضاء تقريبا والتي تصل مساحتها إلى حوالي(9280)كيلو متراً مربعاً. وتضم مدينة رداع ست مديريات هي: رداع -العرش - الرياشية -ولدربيع -آل محن يزيد- آل عنيم.. كما اشتهرت المدينة بحوادث القتل على خلفية قضايا ثأر، وتتواجد الدولة فيها بشكل رمزي، كتواجدها في مناطق القبائل الأخرى.

سيطر مسلحو أنصار الشريعة التابعون لتنظيم القاعدة على المدينة في تاريخ 14\1\2012م بقيادة الشيخ طارق الذهب، ولازالت تحت سيطرتهم. . جاءت السيطرة على خلفية اعتداء قوات الحرس الجمهوري على الشيخ أحمد الذهب شقيق الشيخ طارق الذهب، المتهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة. وبدأ الأمر بانتصار القبائل لشيخها ثم دخل أنصار الشريعة على الخط وأحكموا سيطرتهم على المدينة.

الاسمبريد إلكترونيرسالة