JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أدواعشكم خير من أولئكم..


عبد الغني مزوز---     


قامت جبهة النصرة خلال الأسبوع الماضي تنفيذا لحكم المحكمة الشرعية بحمص، بحملة عسكرية استهدفت كتيبة شهداء البياضة التي يقودها عبد الباسط الساروت الذي تدور حوله شبهة الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية ومبايعة أميرها ابراهيم بن عواد، وكان أمرا مؤسفا جدا أن ينحاز ثائر بحجم الساروت إلى معسكر البغدادي موليا ظهره لإرث كفاحي باهر وسجل ثوري ناصع، وقد كتبت مقالا من قبل عن الساروت بعد أن تداول الإعلام أخبارا شبه مؤكدة عن بيعته لتنظيم الدولة بعنوان: " أيقونة الثورة في عهدة البغدادي". 

الساروت لم يكن جهاديا قبل الثورة ولم يكن يتبنى أية أيديولوجية صدامية، وربما كان شغله الشاغل هو الحرص على أن لا تتجاوز الكرة خط مرمى فريقه الكرامة، بعد الثورة وجد نفسه أمام مهمة أخرى؛ إسقاط نظام الأسد الطائفي، طبعا لم يكن الساروت خطيبا مفوها حتى يلهب حماس الثوار بخطبه، ولا منظرا ثوريا، بل واكب فعاليات الثورة بحنجرته التي تصدح بالشعارات و الأناشيد الثورية في شوارع مدينته حمص، بعد انتقال الثورة إلى طور الإشتباك المسلح مع النظام حمل الساروت بندقيته وقاتل بشراسة دفاعا عن حمص التي شهد مشاهدها كلها، بما فيها ملحمة الحصار التي صمد فيها 600 يوم دون أن ينال الجوع والمرض من كبريائه الثوري وإيمانهم الراسخ بأن سوريا لن تكون للأسد وآله بعد الآن، فشيع في سبيل ذلك أربعة من أشقائه.

السؤال المطروح الآن والذي ينبغي أن يشعر معه الجميع بالحرج هو لما لم يجد الساروت يدا تربت على رأسه سوى يد البغدادي، والأهم لماذا لم يجد " أفكارا" ثورية إسلامية واضحة تأخذ بيده وسط فوضى الأفكار والولاءات وركام الأيديولوجيات التي تعج بها الساحة. الساروت لم يكن مؤدلجا كان على الفطرة الثورية، يقوده إيمانه وغضبه وثأره وعدالة قضيته، حتى اجتالته داعش، فظهر في أول صورة له بعد أن استطاع الإفلات من الحصار الذي ضربته جبهة النصرة عليه، وقد تزيا بزي الدواعش ملتما، ومقبض السكين بارز بين عدته المحمولة في صدره، إنها إشارة رمزية إلى الساروت المعدل داعشيا.

هناك اعتقاد راسخ لدي وهو أن الخوف على الساروت لا يأتي من اعتقادنا أنه سيكون داعشيا يقتل أهل بلده؛ كلا بل خوفنا ينبع أساسا من أن نهايته لن تكون إلا على يد تنظيم الدولة نفسه، عندما يكتشف الساروت حقيقته ويرى بأم عينه الجرائم التي يقوم به بحق المسلمين, وقدر الكيد الذي يكيد به للثورة وأهلها، إذ لن تكون أمامه حينها خيارات كثيرة ؛ فإما التواطؤ مع داعش في فضاعاتها بحق الثورة والثوار وإما أن يُحال إلى الجهاز الأمني حيث الطلقة في الرأس أو حز الرأس بالساطور جزاء كل من هاتفه ضميره بنقض البيعة والعودة إلى جادة الصواب. 

نقول هذا ونحن جازمون أن الساروت لن يرضى أن يذبح حمصيا من أبناء حارته فقط لأنه لا يرى البغدادي أميرا عليه، أو يتمنطق حزاما ناسفا ويدخل به إلى مسجد خالد بن الوليد ليفجر نفسه وسط المصلين المرتدين الذين لا يدينون بالولاء للخليفة ابراهيم ! أو يقود عربته المفخخة إلى سوق مزدحمة لينثر أشلاء الناس على بضاعتهم، لأن "شرعيا" في التنظيم رأى أن المصلحة تقتضي ذلك.

من جهة أخرى كشف التحرك الذي قامت به جبهة النصرة ضد كتيبة شهداء البياضة عن التناقض الرهيب الذي تعيشه شريحة من الثوار، خصوصا من الذين كان العداء للنصرة دينهم وديدنهم، فهم فما فتئوا يروجون أن جبهة النصرة غير جادة في قتال داعش، وأن بعض أفرعها لهم علاقات مشبوهة بها، وأنها تغطي وتتحالف مع تنظيم "جند الأقصى" الموالي لداعش، غير أنه ما إن بدأت النصرة تحركها ضد كتيبة شهداء البياضة التي ثبت بالأدلة (حسب صك الإتهام الصادر من المحكمة) أنها مرتبطة بتنظيم داعش وأنها تُؤوي عناصر مجرمة من التنظيم، حتى بدأ صياح هؤلاء على مواقع التواصل الإجتماعي وكان يجب عليهم أن يظهروا بتناقض قبيح حتى يتمكنوا من قول ما يريدون قوله، حيث روجوا أن داعشية النصرة هي التي أغرتها بقتال فصيل ثوري بريء. فتحول الداعشي إلى ثوري ملتزم والثوري إلى داعشي قح.

ومن هؤلاء من ظل يروج بمناسبة وبغير مناسبة أنه ينبغي قتال تنظيم جند الأقصى، ونفيه من الساحة بشبهة ولائه لتنظيم الدولة، مع أن جند الأقصى نفى ذلك مرارا وتحالف مع الثوار الذين تكفرهم داعش في أكثر من معركة، بل إن زعيمهم أبو عبد العزيز القطري قُتل وهو يحاول الإصلاح بين فصيل شبه علماني وآخر إسلامي، لكن الذين ثبتت عليهم الدعشنة بالأدلة وبقرار من المحكمة صاروا عند هؤلاء ثوارا شرفاء، قتالهم خيانة لا تنبغي، إنه نوع من الفصام، ومرض شائع هذه الأيام يُشخص بـ" متلازمة العداء للنصرة".

نعم عبد الباسط الساروت أيقونة ثورية، وكان على الجميع التدخل وتبصيره بحقيقة داعش، وبسط الأدلة الشرعية والوقائع المادية أمامه ليكون على بينة من أمره، وهذا لا يتناقض مع مساعي من يسعى لتحصين الثورة عسكريا من أن تتوغل فيها كيانات تدين للدواعش بالولاء، فتكرر مآسي الرقة والشرقية، وتدور الثورة بالتالي في حلقة مفرغة. وينبغي أيضا أن لا تفرط الثورة في رموزها، حتى وإن بدرت منهم أخطاء، وعبد الباسط الساروت رمز ثوري، بل مدرسة ثورية فلا يجب أن يُترك في حضن داعش، الثورة أولى به.








الاسمبريد إلكترونيرسالة