JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

المقاومة العراقية.. فصول من قصة الظفر 2

الجهاد في العراق

عبد الغني مزوز---
 

تطرقنا في المقال السابق إلى تفوق المقاومة العراقية في استخدام أسلوب الألغام والعبوات الناسفة وتكبيدها للاحتلال الأمريكي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وسنستكمل الحديث في هذا المقال عن الأساليب الأخرى، مع تأكيدنا على أهمية توثيق تجربة المقاومة العراقية ودراسة أيامها وفصائلها وتكتيكاتها دراسة مستفيضة تقف على مكامن قوتها وثغرات ضعفها وأسباب تراجعها وعجزها عن بناء مشروع سياسي جامع يستثمر انتصاراتها العسكرية ويعبر عن هويتها ومواقفها وتطلعاتها. 

الرمانات الحرارية 

مع تصاعد زخم الهجمات التي تتم بواسطة العبوات الناسفة اتخذت قوات الاحتلال مجموعة من الإجراءات قصد الحد من تأثير هذا السلاح من أهمها: تطوير كاسحات ألغام تقوم بتفجير العبوات قبل مرور الآليات فوقها، زيادة تصفيح العربات وإضافة طبقات سميكة من الفولاذ إلى هياكلها، مراقبة الطرق بواسطة المتعاونين مع الاحتلال والتبليغ عن عمليات زرع العبوات وأيضا مراقبتها بواسطة المناطيد والطائرات المسيرة، تقليل حركة الآليات العسكرية على الطرق وتركز حركتها داخل المدن حيث يصعب زرع العبوات وتمويهها فضلا عن وجود المدنيين واكتظاظ الطرقات بسياراتهم. هذه الإجراءات نجحت جزئيا في تقليص فعالية العبوات الناسفة ما حدا بفصائل المقاومة العراقية إلى التفكير في أساليب وأنماط قتالية أخرى تتناسب مع ما استحدثه الاحتلال من اجراءات دفاعية ووقائية. وفي هذا السياق ظهرت الرمانات الحرارية. 

الرمانات الحرارية هي قنابل يدوية مضادة للدروع روسية المنشأ، تعمل بمبدأ الانصهار الحراري، تُرمي القنبلة على الهدف فتفتح مظلة صغيرة لتشغيل الصاعق وتحقيق توازن نزول القنبلة فوق الهدف مباشرة وعند اصطدامها تنفجر مولدة غازات نافورية ينتج عنها درجة عالية من الحرارة تُحدث خروقا في الدروع الفولاذية. تمكنت بعض فصائل المقاومة العراقية من صناعة وتطوير "رمانات حرارية" بديلة عن تلك التي يتم انتاجها في روسيا، بجودة أعلى وبتكلفة منخفضة وإمكانيات بسيطة. 

لقد أصبحت العربات العسكرية التي تسير وسطر المدن صيدا متاحا لرماة " القنابل الحرارية" حيث ينتظر المكلف بالعملية مرور آخر سيارة من الرتل ليقوم برمي الرمانة عليها ويلوذ بالفرار بين الشوارع وأزقة المدن الضيقة، مستغلا انتشار العوارض الكونكريتية التي تغلق بها قوات الاحتلال منافذ الشوارع لمنع مرور السيارات المفخخة، ما يعرقل عمليات تتبعه وملاحقة. وتكمن أهمية هذا السلاح في سهولة حمله وإخفائه وتكلفته المنخفضة وهو استجابة للتطور الذي عرفته الكاسحات الامريكية[1]. عشرات الأفلام التي نشرتها فصائل المقاومة وثقت استعمال هذا النوع من السلاح، وأظهرت بعض اللقطات حجم التدمير الذي يلحقه بالآليات العسكرية، وقد طور "الجيش الإسلامي في العراق" مقذوفات تصل نسبة تدميرها للآليات إلى أكثر من 90 في المئة.[2]

القنص 

كان نشر الجيش الإسلامي في العراق لفيلم "قناص بغداد" حدثا عالميا عبر عن حجم الورطة التي وضع فيها جورج بوش جنوده في العراق، لقد ظهر فيه جنود أمريكيون وهم يسقطون صرعى وسط آلياتهم العملاقة دون أن يتمكن زملائهم من فعل أي شيء إلا الانبطاح ارضا أو الاحتماء داخل الدبابات والهمرات في انتظار رحيل القناص، فلا أحد يعرف من هو الضحية التالية لقناص محترف ومثير للرعب أطلق عليه الأمريكيون اسم " جوبا ". 

جوبا أو " أبو صالح"[3] لم يكن ظاهرة فردية اتخذت من بغداد مسرحا لها، بل كان نمطا من أنماط المقاومة عم معظم أرجاء العراق، فقد فتك القناصة بجنود الاحتلال في مدن القائم والموصل والفلوجة ورصدت القوات الأمريكية مبالغ ضخمة لمن يقدم معلومات عنهم. نشر فصيل الجيش الإسلامي في العراق أربعة أفلام وثائقية عن "قناص بغداد" من 2005 إلى 2008 ترجم بعضها إلى 9 لغات وتضمنت معلومات عن أهمية سلاح القنص ومعطيات عن حصيلة القتلى ولقطات واضحة عن استهداف الجنود الأمريكيين. وعندما ينجح قناص عراقي واحد وفي مدينة واحدة في قتل وإصابة المئات من المحتلين بينهم ضباط برتب عالية فلك أن تتصور حجم الخسائر التي ألحقها العشرات من القناصين المحترفين بقوات الاحتلال في مختلف المدن العراقية. 

أهمية عمليات القنص التي وثقتها أفلام المقاومة العراقية تكمن في تقويضها للسردية التي دأبت الدعاية الأمريكية على الترويج، مثل: استهداف المقاومة العراقية للمدنيين، إخفاء العدد الحقيقي لخسائر الجيش الأمريكي عبر تلاعب البنتاغون بإحصائيات القتلى والمصابين من جنوده، الإشادة بشجاعة الجندي الأمريكي وشدة بأسه.. وهو ما أظهرت أفلام القنص عكسه تماما. وأمام عجز الجيش الأمريكي عن التعامل مع التحدي الذي مثله قناصو المقاومة لم يجد البنتاغون ما ينصح به جنوده إلا بالكمون داخل عرباتهم المصفحة وعندما يضطرون للخروج فعليهم تأدية رقصات معينة بحيث لا يبقون في حالة سكون لتشتيت انتباه القناص! لكن لاحقا أعادت هوليوود الاعتبار لرجال المارينز في بغداد عبر مجموعة من الأفلام من بينها فيلم American sniper الذي يحتفي ببطولات قناص أمريكي في العراق. 

الصواريخ والهاون 

العبوات الناسفة والرمانات الحرارية والقنص اليومي الذي يتعرض الجنود الأمريكيون جعلهم ينزوون إلى داخل قواعدهم العسكرية ومجمعاتهم الحصينة، وهنا يأتي دور الهاونات وصواريخ الكاتيوشا كأسلوب استخدمته المقاومة على نطاق واسع. فلا يكاد يمر يوم دون أن تتعرض قاعدة أمريكية للقصف بالصواريخ أو قذائف الهاون. يتعذر توثيق خسائر الاحتلال الناجمة عن استخدام هذا التكتيك بسبب سياسة التكتم التي انتهجها البنتاغون، خصوصا إذا تعلق بالخسائر في صفوف الشركات الأمنية كبلاك ووتر وغيرها، لكن بعض العمليات لم يستطع الجيش الأمريكي إبقاء خسائرها طي الكتمان مثل تلك التي استهدفت فيها المقاومة قاعدة الصقر جنوب العاصمة بغداد، ونقلت شاشات التلفزة مباشرة مشاهد الانفجارات الناتجة عن تدمير ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة بينها طائرات مسيرة وقنابل ذكية وعربات عسكرية وقدرت الخسائر بمئات الملايين من الدولارات، وعلق مصدر في الجيش الأمريكي بالقول " أن قاعدة الصقر قد دمرت بالكامل وكأنه فعل زلزال"[4]

الكثير من الصواريخ والقذائف التي استخدمتها فصائل المقاومة العراقية تم انتاجها في ورشات سرية تابعة لها، ولا يقتصر أمر تطويرها على تحسن مدياتها ودقة إصابتها وشدة انفجار حشواتها فقط بل أيضا في صناعة أشكال مبتكرة لمنصاتها وطرق إطلاقها، فقد نشر فصيل جيش الراشدين فيلما وثائقيا باللغتين الإنجليزية والعربية تضمن الكثير من العمليات المعقدة منها استهداف رتل عسكري أمريكي بقذائف الهاون بعد توقيفه في موقع مدروس بواسطة عبوة تمويهية، وعملية إطلاق صواريخ من نوع كاتيوشا على أحد مقرات الاحتلال وقد تم تركيب الصواريخ في صندوق سيارة صغيرة، لتتمكن من اجتياز الحواجز العسكرية ومن تم ركنها على مقربة من المقر المستهدف.[5] وتعتبر عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف أكثر العمليات التي تم تصوريها وتوثيقها عبر آلاف من مقاطع الفيديو. 

الكمائن والسيارات المفخخة 

تم استخدام تكتيك السيارات المفخخة من قبل بعض الفصائل العراقية، بينما امتنعت أخرى بسبب تحفظات فقهية عليه، لكنه من الناحية العسكرية البحتة كان تكتيك السيارات المفخخة خطيرا وغير قابل للردع والاحتواء إلا بفرض حظر للتجوال يشل حركة المدينة برمتها. أما الكمائن والاشتباكات ومعارك المدن فقد أكدت بواسطتها المقاومة العراقية تميزها وقدرتها على توظيف كافة التكتيكات القتالية دون أن تخرج بذلك عن إطار استراتيجية حرب العصابات القائمة على استنزاف الخصم وتجنب المواجهة المباشرة مع قواته. وحتى معركة الفلوجة التي يمكن اعتبارها تمردا على مبادئ حرب العصابات فإنها في واقع الأمر لم تكن كذلك أولا: لأن المقاومة لم تضع كل ثقلها في المعركة وإنما خاضها العشرات فقط من أفرادها، وثانيا: لأنها كانت معركة حاسمة أو من المفترض أن تكون كذلك لولا تدخل بعض الجهات وإبرامها هدنة هي في صالح القوات المهاجمة، وقد تحدث بعض القادة لاحقا أن مشروع الاحتلال كان على شفى الانهيار إبان معركة الفلوجة حتى أن سجانين في (أبوغريب) أخذوا تعهدا من المعتقلين بأن يطلقوا سراحهم شرط أن لا يتعرضوا لهم بسوء. وقد تطرق أحمد منصور لجوانب من ملحمة الفلوجة التي عايش تفاصيلها في كتابه " معركة الفلوجة وهزيمة أمريكا في العراق"، وثالثا: لأنها معركة أظهرت الوجه الحقيقي للاحتلال فقد شاهد العالم حمما من الفسفور الأبيض والنابالم الحارق تصب على المدينة المحاصرة، وشاهدوا جنودا أمريكيين وهم يقومون بإعدام الجرحى ميدانيا واستمعوا إلى شهادة النساء المغتصبات وغيرها من الفظاعات التي جعلت من الفلوجة عارا يلاحق قادة الاحتلال وأعوانه أينما حلو، ومازالت التشوهات الخلقية لأطفال الفلوجة والناتجة عن استخدام اليورانيوم المنضب شاهدة على همجية الاحتلال وبربريته إلى يومنا هذا. 

قصة المقاومة العراقية جديرة بأن تروى، إنها ملحمة شعب عصامي خاض معركة التوحيد والحرية والاستقلال والسيادة بإمكانياته الذاتية وعزيمة على الظفر والانتصار قل مثيلها، إن معظم الأسلحة التي استخدمتها المقاومة العراقية هي من صنعها وابتكارها، حتى بندقية القنص التي استخدمها قناص بغداد هي من نوع "تبوك" من انتاج معامل النظام السابق. نستذكر هذه العصامية في وقت قدمت فيه بعض فصائل الثورة في أكثر من بلد كل ما يمكن تصوره من تنازلات كي تحصل على مضادات للطيران أو صواريخ تاو أمريكية أو وتمويلا خارجيا لتستمر في " ثورتها" حتى نيل " الحرية"! 




[1] طورت جماعة أنصار الإسلام رمانات حرارية من نوع "حمم" ووثقت استخدامها ضد الآليات العسكرية، أنظر: قاذفوا الحمم، مؤسسة الأنصار، https://archive.org/details/ansar-ansar 


[2] الجيش الإسلامي في العراق، مجلة الفرسان العدد 14 


[3] لم ينشر الجيش الإسلامي في العراق أية معلومة عن هوية قناص بغداد، وما نشر عن حياته واعتقاله ومقتله في السجن يتعذر التأكد من صحته. 


[4] الجيش الإسلامي في العراق، مجلة الفرسان، العدد 10 


[5] جيش الراشدين، أجراس الخطر https://archive.org/download/ArchiveArmyTLTDACAriraq/TLTDAC_Ar.rmvb
الاسمبريد إلكترونيرسالة