JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هكذا اخترق النظام السوري فصائل الثورة


عبد الغني مزوز---

تُصنف أجهزة المخابرات السورية كإحدى أكثر الأجهزة الاستخباراتية رعبا ونفوذا، وأقدرها على اختراق الكيانات المعارضة ومراقبة أنشطتها، وتنقسم المنظومة الاستخباراتية السورية إلى أربعة أقسام أو شعب وهي: جهاز المخابرات العسكرية أو الأمن العسكري ويتبع لها عدد من الأفرع أهمها فرع فلسطين سيء الصيت، وجهاز المخابرات العامة (أمن الدولة) بأفرعه المتعددة لعل من أشهرها الفرع الخارجي (279) وفرع المعلومات المتخصص في مراقبة الكتاب والصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة، وجهاز الأمن السياسي ثم جهاز المخابرات الجوية. هذه الترسانة المعقدة والموسعة الصلاحيات من المؤسسات والأجهزة عملت على مدار سنوات حكم آل الأسد على إبقاء النظام الطائفي بمنأى عن أي تهديد قد يمس النظام ورموزه سواء كان هذا التهديد حراكا شعبيا أو معارضة سياسية أو عسكرية، ولذلك كان دوما لهذه الأجهزة دور كبير في إخماد الحركات المعارضة وكشف المحاولات الانقلابية، فشعبة المخابرات الجوية مثلا كان لها دور في إنهاء ثورة 1982.

مع انطلاق الثورة السورية في 2011 راهن النظام السوري على منظومته الاستخباراتية المتمرسة على أساليب التجسس والاختراق وجمع المعلومات خلال الحروب والنزاعات التي كانت سوريا طرفا فيها؛ راهن عليها في متابعة تفاصيل الحراك الثوري واختراق دوائره الضيقة و تصفية قادته، والكشف عن شبكة علاقاته، وقد أحرز في هذا السياق نجاحات كثيرة بدءا من اختطاف المقدم حسين هرموش أول الضباط المنشقين ومؤسس لواء الضباط الأحرار إلى الآن؛ حيت أظهرت معركة حلب قبل عام تقريبا أن النشاط الاستخباراتي لنظام الأسد مازال فعالا ويضطلع بأدوار حيوية في الحرب ضد قوى الثورة والمعارضة. 

لقد استطاعت المخابرات السورية اختراق الثورة وفصائلها و شخصياتها القيادية عبر عدة أساليب وطرق تتراوح بين البدائية والمتطورة جدا، وسنعرض في هذا المقال بعضا منها.

الاختراق التقني

رغم أن النظام السوري لا يمتلك تكنولوجيا متقدمة في مجال التجسس والمراقبة الرقمية، إلا أنه تمكن من توظيف الخبرة التقنية لدى وحداته المتخصصة في هذا النوع من العمل الاستخباري، ومع وجود شركات تكنلوجية رائدة في مجال برمجيات التجسس وتقدم خدماتها لمن يدفع بغض النظر عن هدفه من امتلاكها كما أظهرت وثائق شركة hacking team المسربة، حيت قدمت الشركة لعدد من الدول العربية برمجيات متطورة سهلة الاستخدام تتيح التجسس ومراقبة الأشخاص والكيانات بحرفية عالية، وإن كان زبون هذه الشركات مشمولا بعقوبات أممية فإنها تحتال على القيود وتوصل منجاتها إليه بسهولة وأمان كما كشف عن ذلك الوثائقي الذي عرضته الجزيرة عن هذا النوع من التجارة الرائجة[1]. وفي نهاية عام 2016 داهمت الشرطة الإيطالية مقر شركة AREA وصادرت 8 ملايين أورو حصلت عليها الشركة من المخابرات السوري بعدما باعت لها نظاما متطورا لرصد واعتراض المكالمات في البلاد كلها[2].

كشفت الوثائق التي هربها المنشقون عن الأفرع الاستخباراتية المختلفة للنظام السوري أن هذا الأخير قد نجح فعلا في اختراق الأجهزة الشخصية للثوار وتابع من خلالها محادثاتهم ورسائلهم، فالنظام مثلا كان على علم بكل الرسائل النصية التي بعثها المقدم حسين هرموش وتلك التي وردت إليه، وهويات الأشخاص الذين كانوا على تواصل معه، كما أوصلت المخابرات السورية إلى هرموش عبر العميل الذي كان يرافقه كمبيوتر محمول زرعت به شرائح تنصت[3]، الكم الهائل من المعلومات التي اتاحتها المراقبة اللصيقة للمقدم هرموس هي التي أدت في النهاية اختطافه وإرجاعه إلى دمشق في أول انكشاف أمني صارخ للثورة السورية. 

منظومة الاتصال التابعة للثوار وفصائلهم كلها تعتمد على الأدوات التقنية الحديثة؛ من أجهزة كمبيوتر وهواتف ذكية وتطبيقاتها المتنوعة التي تُعد بالآلاف ما يعني أن هناك الآلاف من إمكانيات اختراق هذه الأجهزة، ومن ثم النفاذ إلى عمق البنية التنظيمية للفصائل ونسفها من الداخل، وهذا ما حصل في الشهور الأخيرة عندما نشرت جهات مجهولة تسجيلات صوتية منتقاة لمكالمات جرت بين قادة الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وتحدث بعض المطلعون أن أجهزة الاتصال اللاسلكية التي تستخدمها الهيئة في التواصل كانت مخترقة. 

يحب بعض الثوار توثيق حشودهم العسكرية ولحظات المعارك بهواتفهم المحمولة، وعند ظهور أيا من قادتهم لإلقاء كلمة وسط تجمعاتهم تظهر عشرات الهواتف الذكية وهي تحاول التقاط الصور وتوثيق اللحظة، وهي عادة غريبة في مكان يُفترض فيه الحيطة والحذر حيت يسعى خصوم الثورة على مدار الساعة إلى التقاط أدنى معلومة قد توصل إلى مقرات الثوار وقادتهم. والطريف أن ألمانيا قد حظرت على نوابها ومسؤوليها استخدام بعض أنواع الهواتف الذكية لإمكانية اختراقها بعد أن كشف سنودن أن هاتف انجيلا مركل كان مخترقا هي و34 من قادة وزعماء دول العالم، بل إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما صرح بأنه " لا يستخدم التكنولوجيا الذكية لأسباب أمنية"، بينما الثوار ومسؤوليهم مازالوا يعتمدون على هذه الهواتف وتطبيقاتها في التواصل وإدارة شؤون فصائلهم.

الإعلاميون والناشطون

كان للناشطين دور كبير في إيصال صوت الثورة السورية إلى العالم، ونقل صورة ما يرتكبه النظام السوري من جرائم وحشية ضد الأبرياء العزل، ولازال عشرات منهم يقوم بهذا الدور بكل شجاعة وحرفية، ولما يحظى به الناشطون أو المواطنون الصحفيون من احترام بين الفصائل الثورية وعامة الناس فإن النظام السوري عمل على تجنيد ناشطين وزراعتهم في الوسط الثوري ليضعوه في صورة ما يجري هناك، ويرسلوا إليه احداثيات المواقع العسكرية وتحركات الثوار.

الناشط هو ذلك الشخص الذي يحمل أحدث أجهزة الاتصال من هواتف ذكية وكمبيوترات وكاميرات من مختلف الاحجام والأنواع، وبإمكانه أن يصور متى وأين شاء، ويدخل المقرات ويلتقي بالثوار ويجري محادثات مع زعمائهم ويلتقط الصور لهم، وينغمس وسط حشودهم بمعداته دون أن يثير أية شكوك. وفي غياب أي قانون أو ميثاق شرف يؤطر عمل الناشطين فإنه من الصعوبة بمكان مسائلتهم والتحقيق معهم دون أن يستتبع ذلك بعض الاستنكار والفزعة من زملائهم في "المهنة".

كشف احتلال حلب من قبل قوات النظام والميلشيات المساندة لها حجم اعتماد النظام على خدمات " الناشطين المزيفين" في تأمين المعلومات، ووضع قوات النظام في صورة ما يجري في الجانب الذي تسيطر عليه الفصائل المسلحة، ومع تقدم ميلشيات النظام في أحياء حلب واقتراب الحسم لصالحها، عرفت حلب هجرة شبه جماعية لمن يسمون بالناشطين اتجاه الجانب الذي تسيطر عليه النظام إيذانا بانتهاء مهمتهم في حلب. 

عدد من الناشطين غادروا المناطق المحررة باتجاه المناطق التي يسيطر عليها النظام، مثل الناشطان نعيم خواجكي وبشار نحال وكانا يعملان كمصورَين لدى "لواء أحرار سوريا" الذي كان مقاتلوه ينتشرون بشكل رئيسي في أحياء حلب القديمة ومحيط القلعة وفي حي باب الحديد. وغادر الناشط والإعلامي في قناة " حلب اليوم" أحمد مصطفى باتجاه قوات النظام وكان هذا الأخير دائم التردد على مقرات الثوار في حلب وأجرى كثيرا من اللقاءات مع قادتهم. والتحق أيضا بمناطق النظام الناشط عامر أبو شان وكان يرافق أطقم الدفاع المدني ويصور المواقع التي تتعرض للقصف. هذه عينات فقط وإلا فهناك الكثير من الناشطين الذين التحقوا بالنظام وآخرون مازالوا على رأس عملهم.

مكمن الخطورة أن هؤلاء الناشطين يتحركون بحرية في المناطق المحررة، ويلتقطون الصور، ويدخلون المقرات والمواقع الحساسة، ويرافقون حشود الثوار ويوثقون حركتهم بمقاطع الفيديو، ويستعملون الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة القادرة على ارسال الاحداثيات وتحديد المواقع بدقة. من هنا تشتد الحاجة إلى إحداث هيئات متخصصة في تنظيم وتأطير النشاط الإعلامي للأفراد ومراقبة أدائهم داخل المناطق المحررة، وإقرار آليات للتحقيق والمحاسبة، والحد من استعمال التكنولوجيا الذكية قرب المقرات والمواقع ذات الطابع العسكري، فكل دول العالم تحظر تصوير مواقعها الحيوية دون إذن من الجهات المختصة. 

الانشقاقات المرتبة

لا يكاد يعلن ضابط أو إعلامي أو سياسي أو حتى إداري انشقاقه من نظام بشار السدساأسد حتى يجد الطريق معبدا إلى أعلى المناصب في مؤسسات الثورة وفصائلها، ظاهرة غريبة جدا والأغرب منها أن من خرجوا من سجون النظام بعد سنوات من معارضتهم له وسعيهم لإسقاطه حتى قبل أن يحل الربيع العربي على سوريا اتهموا بالعمالة للنظام وأن هذا الأخير أطلق سراحهم من سجونه حتى يكونوا سندا له في إجهاض الثورة وإفشالها. ولذلك فرياض حجاب وفراس طلاس وجهاد مقدسي المنشقون حديثا عن النظام تبوؤوا مناصب مؤثرة في هيكلية المعارضة السياسية، وأصبحوا في عرف البعض ثوارا أقحاح لا يُشك في نزاهتهم وإخلاصهم، بينما الإسلاميون الذين ثاروا على النظام منذ عقود وزج بهم في سجونه وتعرضوا هناك لأفظع أنواع التعذيب ثم خرجوا بعد الثورة يشار إليهم في أكثر من مناسبة بأنهم عملاء للنظام استخدمهم لإعطاء الثورة صبغة جهادية!! 

الاحتفاء بالمنشق إلى الدرجة التي توضع فيها مقاليد العمل الثوري في يده؛ هو كل ما يحتاج إليه نظام بشار الأسد حتى يرتب انشقاقات وهمية تتيح له زرع جواسيسه في عمق الثورة. وبإمكان هؤلاء المنشقين أو " المندوبين" ممارسة مهامهم بكل أريحية، كإرسال تقارير مفصلة عن وضع الثوار وتسليحهم وانتشارهم وعلاقاتهم وإثارة مكامن الخلاف فيما بينهم وغيرها من المهام. وهناك حالات استطاع فيها هؤلاء تشكيل أجسام سياسية وعسكرية محسوبة على الثورة والمعارضة لكن ولائها للنظام الطائفي لم ينقطع يوما، ألا تصنف مثلا منصة موسكو والقاهرة على المعارضة السياسية وشاركت في صناعة قراراتها، بل إن منصة قاعدة حميميم العسكرية الروسية تُحشر ضمن أطياف المعارضة السياسية. 

هناك العشرات من الحالات التي عاد فيها المنشقون إلى وظائفهم الأصلية سواء في السلك العسكري أو المجال الإعلامي أو السياسي بعد انتهاء مهماتهم داخل معسكر الثورة، فمثلا عاد الإعلامي الكردي دلبرين موسى والتحق بوظيفته كمعد للبرامج في التلفزيون السوري الرسمي، بعدما عمل لفترة في إعلام الثورة واحتك بقادتها وشارك في كثير من الفعاليات والنشاطات الثورية. كما عاد نزار السعدي الإعلامي السابق في قناة الدنيا التابعة للنظام إلى دمشق، واشتغل السعدي خلال فترة انشقاقه في عدد من المؤسسات الإعلامية المؤيدة للثورة ولم ينس وهو يعود إلى معسكر بشار الأسد أن يصحب معه وحدات تخزين وأقراص صلبة سرقها من المؤسسات التي عمل بها.

طبعا ليس كل منشق هو عميل مفترض، لأن المنشقين كانوا ولا زالوا من أعمدة الثورة، وأبلوا فيها بلاء حسنا كما أبلى غيرهم، لكن أن تُشرع أمامهم أبواب المناصب المؤثرة مع أولى خطواتهم في معسكر الثورة فهذا مناقض لأبجديات العمل الثوري والحس الأمني على حد سواء.

عانت الثورة السورية من فداحة الانكشاف الأمني منذ انطلاقتها في مارس 2011، ودفعت جراء ذلك ثمنا باهظا، تمثل في استهداف قادة كبار من وزن عبد القادر صالح وأبو عمر سراقب وزهران علوش وأبو يحيى الحموي وأبو الفرج المصري والعشرات غيرهم، كما خسرت الثورة جبهات ومعاقل مهمة كمدينة حلب التي يتواجد بها لحظة استسلامها حوالي 40 ألف مقاتل نصفهم عاد إلى مناطق النظام، ومخزون من المؤن العتاد يكفي للصمود لثلاث سنوات من الحصار حسب عبد الرحمن الأسيف القيادي السابق في لواء التوحيد، وكان لاختراق صفوف الثوار وغرف عملياتهم دور كبير في معظم النجاحات التي أحرزتها قوات النظام إضافة إلى العوامل الأخرى المعروفة كالدعم الروسي والايراني. وبالتالي ضرورة إعادة تقييم الوضع الأمني للثورة وتحصين بنياتها ومؤسساتها من الاختراق عبر استحداث جهاز استعلامات قوي قادر على جمع المعلومات وملاحقة الجواسيس، وأيضا الحد من الاستخدام المفرط للتكنولوجية الذكية في المهمات الحساسة وابتكار منظومة بديلة للتواصل حتى وإن كانت بدائية مادامت ستحرم العدو من أهم المناهل التي يتزود منها بالمعلومات والمعطيات. 





[1] قناة الجزيرة، تحقيق استقصائي: تجار التجسس، https://www.youtube.com/watch?v=GQfURuWjgPk 


[2] نفس المصدر 


[3] قناة العربية، برنامج التقرير الأمني، https://www.youtube.com/watch?v=e0Ql8OZ2aJ4
الاسمبريد إلكترونيرسالة