JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

حكومة الإنقاذ السورية: الجدوى والمصير

حكومة الإنقاذ السورية


عبد الغني مزوز---                          تحميل بصيغة PDF

مقدمة:

شهدت الثورة السورية منذ انطلاقتها زخما متواصلا من المبادرات ومشاريع الحل تقدم بها مختلف فرقاء الثورة؛ سعيا منهم لإيجاد حلول توافقية لقضايا وملفات كانت دوما مثار الجدل والنزاع مثل دمج الفصائل المقاتلة واعتماد مرجعية قضائية موحدة ومؤسسات خدمية وإدارية واحدة، لكن الثابت بين معظم هذه المبادرات أنها لا تخرج عن إطار المحاصصة الفصائلية والرغبة في تغليب رؤية سياسية وثورية معينة على ما سواها من الآراء والرؤى، أو استبعاد قوى مؤثرة تحت مبررات شتى وبالتالي فلا يكاد يجف حبر هذه المبادرات حتى تتجاوزها الأحداث والتطورات مع تغير الولاءات وخرائط النفوذ والسيطرة، فيجري الحديث من جديد عن مبادرات وحلول أخرى لا تلبت أن تلقى مصير سابقاها.
كان الإعلان عن تشكيل “حكومة إنقاذ وطني” في المناطق المحررة آخر هذه المبادرات، غير أنها تختلف عن سابقاتها في سقف طموحها الذي يتجاوز اجتراح حلول توافقية لقضايا محلية وبينية متنازع حولها إلى تمثيل الثورة بكافة فصائلها وفعالياتها في الداخل والخارج إلى جانب الحكومة المؤقتة التي أُعلنت في 2013 وأيضا في طرحها من طرف أكاديميين وشخصيات مدنية مستقلة لا تنتمي إلى أي فصيل، وكان الدارج أن الفصائل أو الشيوخ هم عادة من يطرحون المبادرات ويُسَوِّقون لها. وبذلك تكون سوريا قد دخلت نادي الدول متعددة الحكومات إلى جانب ليبيا واليمن وغيرهما.

أولاً: حيثيات التأسيس

وصلت أزمات الثورة السورية ذروتها مع سلسلة النكسات التي منيت بها الفصائل العسكرية، وخروجها من عدد من المدن والمعاقل التي كانت تسيطر عليها فيما يُشبه تغييرا ديمغرافيا ممنهجا يرعاه التحالف الإيراني السوري. موازاة مع إخفاقات الثورة على صعيد العمل العسكري انطلق مسار سياسي في أستانا ركز رعاته على ضرورة وقف إطلاق النار عبر ما يسمى “مناطق خفض التصعيد”، والتفرغ لمواجهة الإرهاب وإقرار حل سياسي توافقي بين أطراف الأزمة يشمل النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، أفرزت هذه الدينامية المتسارعة من الأحداث والتطورات خريطة ثورية جديدة تصاعد فيها نفوذ فصيل “هيئة تحرير الشام” على حساب الفصائل الموسومة بالاعتدال، وخوفا من تكرار سيناريو حلب والموصل في مدينة إدلب وما حولها تحت شعار “مكافحة الإهاب”، دَعَتْ شخصيات مستقلة وفعاليات مدنية إلى عقد مؤتمر عام في إدلب لصياغة مشروع إدارة مدنية تخضع له المناطق المحررة.
انعقد المؤتمر السوري العام في منطقة باب الهوى على الحدود التركية السورية، يومي 16 و17 سبتمبر 2017 بحضور المئات من الشخصيات الأكاديمية والناشطين والهيئات المدنية والإدارية “بهدف بلورة الخيارات المتاحة واستثمار نقاط القوة والتخلص من نقاط الضعف التي أرهقت كاهل الثورة السورية” واتفق المجتمعون على استحداث هيئة تقوم مقام مجلس الشورى أسموها “الهيئة التأسيسية” وتضم 36 عضواً من مختلف المدن والمحافظات السورية، ومن مهامها: تسمية رئيس الحكومة لإدارة المناطق المحررة، المصادقة على الوزارات المقدمة من رئيس الحكومة، تشكيل لجنة لصياغة الدستور، الرقابة والمتابعة لعمل الحكومة، وتشكيل لجنة لاختيار أعضاء مجلس الشورى.
اجتمعت ” الهيئة التأسيسية ” في 2/11/2017 وأعلنت مصادقتها على التشكيلة الوزارية التي تقدم بها محمد الشيخ بعد 20 يوما من تكليفها له بتشكيل ما أسمته بـ “حكومة انقاذ وطني”. وتضمنت “حكومة الإنقاذ” 11 حقيبة وزارية وهي: وزارة الداخلية؛ وزارة العدل؛ وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد؛ وزارة التعليم العالي؛ وزارة التربية والتعليم؛ وزارة الصحة؛ وزارة الزراعة؛ وزارة الاقتصاد؛ وزارة الشؤون الاجتماعية والمهجرين؛ وزارة الإسكان؛ وزارة الإدارة المحلية، إضافة إلى أربع هيئات هي: هيئة الرقابة والتفتيش؛ هيئة شؤون الأسرى والمفقودين؛ هيئة التخطيط والإحصاء؛ هيئة اتحاد النقابات العاملة، بينما غابت وزارة الدفاع وتم الاستعاضة عنها بتعيين العقيد رياض الاسعد نائبا لرئيس الحكومة للشؤون العسكرية إلى حين توحيد الفصائل.
عبرت الحكومة المؤقتة برئاسة جواد أبو حطب عن رفضها وعدم اعترافها بالجسم السياسي الجديد لكنها أبدت رغبتها في التواصل والتفاهم معه، وقد جاء الإعلان عن “حكومة الإنقاذ” في وقت تحاول فيه الحكومة المؤقتة ترسيخ وجودها على الأرض خصوصا في الريف الشمالي لحلب، عبر مجموعة من الإجراءات والخطوات العملية تمثلت أساسا في دمج بعض فصائل الجيش الحر وتشكيل هيئة أركان عسكرية تابعة لوزارة الدفاع وعينت العقيد فضل الله الحجي رئيسا للأركان. كما قامت بإنشاء أكاديمية عسكرية في منطقة درع الفرات، واستلمت معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا من فصيل الجبهة الشامية.
هذه الخطوات أرادت بها الحكومة المؤقتة أن تؤكد على فاعلية وجودها، وقدرتها على تدبير أصعب الملفات وأكثرها تعقيدا كملف العسكرة، سعيا منها لنيل الاعتراف الدولي الذي بقي شكليا وسياسيا دون أية تبعات قانونية وأيضا لاستدارار الدعم الذي توقف عنها مند بداية شهر أغسطس الماضي، وحتى لا تبقى شعارا يُسمع به فقط ويتم التداول بشأنه في الخارج دون أن يكون له تأثير في الداخل الذي تزعم تمثيله.
يسير الوضع الآن في المناطق المحررة بسوريا إلى ما يمكن تسميته بمرحلة “مأسسة” الأزمة، أي أن الانقسام الحاصل بين مختلف القوى الثورية والجهادية أخذ منحى آخر بحيث يتم تكريس المفاصلة والخصومة بوثائق دستورية ولوائح قانونية، فالبيان الختامي الذي خرج به المجتمعون في المؤتمر السوري العام نصت مبادئه الأولى على أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ووجوب الحفاظ على هوية الشعب السوري المسلم” وعلى “إسقاط النظام ومحاسبته بكافة أركانه” و”رفض أجندة ديمستورا وانحيازه للنظام” وأن “الحكومة المنبثقة عن الهيئة التأسيسية هي الحكومة الشرعية الوحيدة في الداخل والخارج”.
هذه المبادئ والتوصيات أو بعضها على الأقل كانت دوما مكمن الخلاف بين الفصائل والفعاليات الثورية خصوصا بين تلك التي توصف بالاعتدال وتتلقى دعما خارجيا على هذا الأساس وبين تلك التي تتهم بالتشدد والإرهاب. ويمثل الإعلان عن حكومة تحظى برعاية من يوصفون بالتشدد وتستدخل مبادئهم في وثائقها الدستورية والقانونية هو انتقال بالأزمة إلى مستويات عليا يصبح معها العودة الى الخلف أمرا صعبا وغير وارد.

ثانياً: تحديات “الإنقاذ”

تبدو مهمة “حكومة الإنقاذ” في الشمال السوري المحرر وبالضبط في محافظة إدلب وريفها، والريف الغربي لمحافظة حلب، وريف حماه الشمالي والشرقي، والاجزاء الشرقية اليسيرة من ريف اللاذقية وتمضي في برامجها الخدمية والإدارية بسلاسة بعدما تسلمت مؤسسات الإدارة وملفاتها من “الإدارة المدنية للخدمات” الذراع الخدمي لهيئة تحرير الشام، وقامت بفرز القطاعات المختلفة وتوزيع مؤسساتها على الوزارات التي ستتولى تدبيرها ويقدر عدد موظفي هذه المؤسسات بأربعة آلاف موظف، لكن إلى أي حد يمكن أن تمتد هذه السلاسة والتلقائية إلى المناطق المحررة الأخرى سواء في الجنوب أو في الريف الشمالي لحلب حيث “قلعة المعتدلين” ومعقل الحكومة المؤقتة؟
هذه الأسئلة الوجيهة تنقلنا إلى طبيعة وحجم التحديات التي تعترض “حكومة الإنقاذ” في المرحلة الراهنة.

1ـ تحدي الفصائلية:

يبدو لافتا من التشكيلة الوزارية التي رفعها محمد الشيخ إلى الهيئة التأسيسية لنيل الثقة أنها لم تتضمن وزارة للدفاع، مكتفية بمنصب نائب رئيس الحكومة للشؤون العسكرية، وهو ما يمكن اعتباره اعترافا بصعوبة الإعلان عن وزارة دفاع بينما الساحة مازالت تتسم بالانفلات الفصائلي، لكن محمد الشيخ عبر عن أمله في جمع كلمة الفصائل بمساعدة العقيد رياض الأسعد واستحداث وزارة للدفاع تتوحد تحت مظلتها جميع الفصائل10 .
ويُعتبر توحيد الفصائل السورية من أكثر القضايا استهلاكا للجدل والنقاش والفتاوى الشرعية والتأصيلات الفقهية دون أن يسفر كل هذا عن انجاز بمستوى الجهد المبذول، عشرات من محاولات الاندماج انخرطت فيها الفصائل الثورية على امتداد سنوات الثورة لكنها غالبا ما تنتهي بمزيد من التشظي والشقاق. عقب اعلان “حكومة الإنقاذ” اندلعت مواجهات مسلحة بين فصيل حركة نور الدين زنكي وبين هيئة تحرير الشام وكانت الحركة جزءً من الهيئة قبل أن تنشق عنها. هذه المواجهات التي استمرت لأيام وانتهت بهدنة مشكوك في قدرتها على الصمود مثال على حجم التحديات التي تنتظر حكومة الإنقاذ، فهل ستستطيع ضبط مثل هذا النوع من الخلافات، وإلزام مختلف الأطراف بالهدوء ومحاسبة من ثبتت بحقه الأخطاء والتجاوزات عبر آليات تنفيذية قوية وفعالة، وكيف ستشتغل الحكومة في بيئة مترعة بالنزعات الفصائلية والمناطقية والأيدولوجية؟
ربما تستطيع حكومة محمد الشيخ تجاوز جزء من هذه المعوقات وكسب بعض رهانات المرحلة ما دامت تحظى برعاية ودعم “هيئة تحرير الشام” الفصيل القوي الذي بسط نفوذه في محافظة إدلب وما حولها، وقام في وقت سابق بتفكيك عدد من الفصائل وتحجيم أخرى كان آخرها حركة أحرار الشام الإسلامية أكبر فصائل الثورة، وهو ما سيتيح للحكومة الجديدة الاشتغال والحركة ضمن فضاء يتمتع بالحد الأدنى من الاحتقان الفصائلي عكس المناطق المحررة الأخرى.

2ـ تحدي القضاء والمحاكم:

كان مطلب توحيد المرجعية القضائية يتردد مع كل مبادرة إصلاحية تُطرح داخل المناطق المحررة، فقد شهدت الثورة تأسيس هيئات وأجسام قضائية كثيرة كالهيئات الشرعية ودور العدل والقضاء الموحد في الغوطة.. لكن معظمها كان تابعا للفصائل والجماعات المقاتلة ما يطعن في شرعية ونزاهة المؤسسة القضائية لانتفاء الاستقلالية عنها. تم اسناد وزارة العدل في “حكومة الإنقاذ” إلى الدكتور إبراهيم محمد شاشو وقد عمل سابقا مع الهيئة الشرعية في مدينة حلب، وكان محسوبا على حركة أحرار الشام الإسلامية، واشتغاله في مدينة حلب التي كانت مركزا لعدد من المؤسسات القضائية الثورية يعطيه تصورا كافيا عن قدر المشاكل والعراقيل التي تنظره.
إن اعتماد مرجعية قضائية واحدة تحظى بالإجماع والاعتراف كفيل بإنهاء معظم مشاكل وأزمات الثورة، لأن ذلك يعني أن هناك خيارات أخرى لحل الخلافات والخصومات بعيدا عن الخيارات العسكرية المعتادة، لكن ذلك منوط بقدرة حكومة الإنقاذ على إقناع فرقاء الثورة بحل مؤسساتهم القضائية ومحاكمهم الخاصة لحساب المحاكم التابعة لوزارة العدل. إنه رهان صعب خصوصا إذا كان الطموح يتجاوز محافظة إدلب وما حولها إلى المناطق المحررة الأخرى.

3ـ تحدي الإجماع الداخلي والاعتراف الخارجي:

العمل والاستمرار والانجاز بالنسبة لحكومة ناشئة يعوزها الإجماع الداخلي والاعتراف الخارجي في بيئة غير مستقرة سيكون أشبه بالمعجزة، صحيح أن الحكومات حتى في أعرق الديمقراطيات وأرشدها لا تحظى بالإجماع الداخلي ولابد من وجود معارضة شرسة لها وفئات وتيارات لا تعترف بها. إلا أن الحد الأدنى من التوافق والانسجام ضروري لتحصيل الشرعية ونيل الثقة من وجهاء المجتمع وشرائحه وقواه المؤثرة، وفي بلد يعاني من الحروب والانقسام مثل سوريا يتعذر كليا قياس مدى القبول الذي تتمتع به المؤسسات السياسية وغير السياسية.
حكومة الإنقاذ تشكلت بعد توجيه الدعوة الى معظم فعاليات ومؤسسات الثورة في الداخل والخارج من أجل عقد مؤتمر عام حضره بالفعل مئات من المواطنين والناشطين والشخصيات المستقلة، وأسفرت المشاورات عن اختيار هيئة تأسيسية ثم انبثقت عن الهيئة التأسيسية حكومة وزعت وزاراتها على شخصيات أكاديمية مستقلة وأخرى ذات رمزية ثورية كالعقيد رياض الأسعد مؤسس الجيش الحر الذي يتولى الشؤون العسكرية فيها. هذه الخطوات “الشعبية” التي واكبتها الصحافة منذ بدايتها يجادل مؤيدو حكومة الإنقاذ أنها تمنحهم جدارة تمثيل الثورة أكثر من الحكومة المؤقتة التي تأسست في الخارج وبقي تأثيرها وحضورها في الداخل محدودا.
عدم اعتراف الفصائل الأخرى بالحكومة الجديدة يعني إخفاقها في كسب أهم رهاناتها، وخطوات الحكومة المؤقتة نحو تفعيل وزارة دفاعها عبر دمج فصائل درع الفرات وتأسيس هيئة أركان مشتركة يجعل المهمة أكثر صعوبة. ولعل الوضع يتجه لاستنساخ الحالة الليبية حيث كل حكومة تسيطر على مدينة أو مجموعة مدن وتدمج الفصائل الموالية لها في وزارة دفاعها، ولا ترى شرعية ما سواها من الفصائل والكيانات.
يبدو واضحا أن الاعتراف الدولي لم يكن منشودا من حكومة الإنقاذ وهو الذي لم تنله الحكومة المؤقتة مع أنها تأسست في الخارج بدعم من أطراف دولية وإقليمية عديدة، غاية ما تسعى إليه حكومة محمد الشيخ هو اعتراف مبطن من تركيا وتفاهم معها11 تضمن به عمل معبر باب الهوى واستمرار تدفق المساعدات من خلاله، ثمة مؤشرات كثيرة على وجود نوع من التفاهم في هذا الإطار، فالإعلان عن الحكومة تزامن مع التدخل التركي في شمال سوريا، كما أن تركيا لم يصدر عنها أي تعليق يتحفظ على الخطوة الجديدة مع أنها جرت على حدودها فاجتماعات المؤتمر السوري العام والهيئة التأسيسية ثم الحكومة الجديدة كانت كلها في منطقة معبر باب الهوى.

4ـ تحدي الدعم والموارد:

لا يمكن لأي كيان سياسي يتوخى الحكم وتدبير الشأن العام أن يقوم بمهمته تلك دون دعم لازم وموارد كافية، وبالنسبة لحكومة تشتغل في ظروف الحرب والحصار يجب أن تتضافر الموارد لتغطية حاجيات النازحين ومعالجة الجرحى والتكفل بالأرامل والأيتام وتأمين رواتب الموظفين فضلا عن متطلبات إعادة الاعمار وغيرها، كل ذلك يحتاج إلى تمويل ودعم مالي قد لا يتوفر ما يكفي منه لحكومة محاصرة في بؤرة حرب. لكن محمد الشيخ سجل تفاؤله في هذا السياق واعتبر موارد محافظة إدلب وما حولها كافية لسد حاجيات حكومته.

ثالثاً: مستقبل حكومة الإنقاذ

أمام التحديات الكثيرة التي تعترض مبادرة حكومة الإنقاذ، واشتغالها في محيط يتسم بالتعقيد ومفتوح على كل الاحتمالات وتتغير تفاصيله بين لحظة وأخرى، يكون استشراف مستقبلها -وسواها من الكيانات والمبادرات السياسية- تحدياً فعلياً، فلا معطيات ثابتة يمكن استنطاقها في بناء تصور استشرافي لمآلات الأوضاع في مثل تلك السياقات وفي سياقات غير مستقرة مثلها، كما أن نوايا الفاعلين والمتدخلين الآخرين ليست بالوضوح الكافي بحيث يمكن الاعتماد عليها في تحديد المواقف والاتجاهات، لكن يمكن استشراف مستقبل “حكومة الإنقاذ” ضمن مجموعة من المآلات الممكنة والمحتملة:
1)- أن يكون مصير حكومة الإنقاذ كمصير العشرات من المبادرات التي لم تحظ بالإجماع والقبول، ولا يكون لها تأثير كبير في المناطق المحررة وتعود كلمة الفصل للكيانات العسكرية، فتظل “حكومة الإنقاذ” حبرا على ورق حتى تنسخها مبادرات لاحقة. فهناك فصائل داخل المناطق التي تشتغل بها حكومة محمد الشيخ لا تعترف بالحكومة وتعتبرها مجرد واجهة مدنية لهيئة تحرير الشام كحركة نور الدين زنكي التي ينتشر عناصرها في الريف الغربي لحلب وأيضا حركة أحرار الشام التي وصف أحد قادتها الحكومة بأنها غير شرعية وقامت في أرض مغصوبة.
2)- قد تتمكن “حكومة الإنقاذ” من تحسين جودة القطاعات ذات الصلة بالمعاش اليومي للمواطن السوري في الشمال المحرر كالماء والكهرباء والأمن والصحة.. لأن القائمين عليها من ذوي الاختصاص والكفاءة ما يؤمن لها رصيدا شعبيا مهما؛ يصعب معه تجاوزها أو القفز على قراراتها، ولو تمكنت من صياغة دستور توافقي واستحداث وزارة للدفاع بعد توحيد الفصائل أو معظمها حسب برنامجها المعلن ستكون قد قطعت أشواطا كبيرة كـ “حكومة ثورة” ذات تأثير في سوريا.
3)- في ظل عدم الاعتراف الدولي أو الإقليمي بحكومة محمد الشيخ وإعلانها من منطقة تسيطر عليها الجماعات المتهمة بالتطرف والإرهاب فلا يُستبعد أن تمارس جهات دولية ضغوطا على تركيا من أجل حصار حكومة الإنقاذ وتوظيف معبر باب الهوى كورقة ضغط عليها، قد لا يحدث هذا في المرحلة الراهنة لكن قطعا هذا ما سيحصل عندما تمسك الحكومة الجديدة بالملف العسكري ويكون بيدها قرار السلم والحرب.
4)- مع نجاح الجيش السوري وحلفائه في حسم معارك تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق، والتقائه بالجيش العراقي على نقاط الحدود بين البلدين، تكون قوات النظام قد تفرغت للمناطق السورية الأخرى ويُحتمل استعانتها بالحشد الشعبي الذي استعاد آخر مدينة كان يسيطر عليها تنظيم الدولة في العراق. سيناريو الحرب على مدينة إدلب غير وارد في المدى القريب لكنه ليس مستبعدا، وإن حصل فلا معنى لأي حكومة أو جسم سياسي آخر لأن نتيجة المعركة ستحمل معها خرائط سياسية جديدة للشمال السوري.

خاتمة:

يحيل الحديث عن تعدد الحكومات والكيانات التي تتولى إدارة وتدبير الشأن العام في وطن واحد إلى العديد من التجارب العربية سواء في سياق الربيع العربي أو في سياق صراعات أخرى. إنها تعبير عن فداحة الانقسام المجتمعي، ورغبات مختلطة من إرادة صناعة المصير الذاتي واحتكار القوة والسلطة. ففي ليبيا ثلاث حكومات وبرلمانين وفي اليمن حكومتين أو أكثر وفي مصر رئيسين واحد في القصر وآخر في المعتقل وفي سوريا ثلاث حكومات، هذه الوفرة في مؤسسات الحكم ليست بالتأكيد بذخا ديمقراطيا ولا ترفا حداثيا وإنما أعراض لاختلالات وأزمات يتربع الاحتلال والاستبداد ووصاية الخارج في قمة مسبباتها ( 12).

——————-

الهامش

الاسمبريد إلكترونيرسالة