JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

لماذا انهزم تنظيم الدولة الإسلامية ؟

تنظيم الدولة الإسلامية

عبد الغني مزوز---

لا تكمن أهمية معركة الموصل في كونها تجري في عقر دار " الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية بل أيضا في كونها ميدان اختبار لعدد من التكتيكات الحربية والأساليب القتالية، وامتحانا لجدوى الإستراتيجية التي تبناها تنظيم الدولة منذ عودته من الصحراء أثناء فعاليات الربيع العراقي في 2011 واستهلها بالسيطرة على عدد من المدن في العراق ثم سوريا وتوجها بإحكام قبضته على مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، إستراتيجية شكل التمدد المكاني ومسك الأرض جوهرها الأساسي معلنا بذلك انتهاء مرحلة " شوكة النكاية والإنهاك " وبداية مرحلة التأسيس الفعلي للدولة كما عرفتها قواميس السياسية والاجتماع. ولا شك أن مجاميع الثوار في عدد من الأقطار العربية خاصة في سوريا وليبيا تراقب فعاليات معركة الموصل، وتحاول الخروج بخلاصات ودروس تستفيد منها في معاركها المرتقبة خصوصا وهناك قواسم مشتركة كثيرة بين مدينة الموصل ومدن أخرى يتحصن بها الثوار كإدلب السورية و درنة الليبية وغيرهما.

يُجمع الخبراء والمراقبون على أن تنظيم الدولة خاض معركة الموصل ببسالة نادرة، وبروح قتالية عالية، ما جعل من معركة الموصل أطول معارك المدن في التاريخ الحديث (معركة فردان في الحرب العالمية الأولى استمرت 9 أشهر، معركة ستالينجراد استمرت 5 أشهر، معركة برلين في الحرب العالمية الثانية استمرت 14 يوما) لكن ورغم استماتة التنظيم في الدفاع عن المدينة إلا أن سقوطها كان مسألة وقت قياسا إلى التفاوت الهائل في حجم القوات والإمكانيات العسكرية واللوجستية بين القوات المهاجمة والعناصر المتحصنة بالمدينة، وأيضا لاعتماد التنظيم إستراتيجية حربية عديمة الجدوى وتكيتكات قتالية أكدت تجارب سابقة عدم فعاليتها وأنها في أحسن أحوالها تؤخر الهزيمة ولا تمنع وقوعها. 

أعلن حيدر العبادي عن انطلاق معركة الموصل في 17/10/2016 بعد تعبئة كل الإمكانيات الممكنة وحشد قوات ضخمة وصل مجموعها إلى أكثر من 100 ألف مقاتل بين جيش وشرطة وقوات كردية (البيشمركة) وحشد عشائري سني، ويمثل الحشد الشعبي كمقاتلين عقديين عصبها الأساسي وتحضا هذه الجحافل بإسناد جوي ولوجستي من 68 دولة هم مجموع الدول المشكلة للتحالف الدولي لمحاربة التنظيم، يضاف إليهم حوالي 5000 جندي أمريكي يعملون في الخطوط الخلفية للقوات المهاجمة كمستشارين وخبراء عسكريين، بينما تُقدر أعداد عناصر التنظيم داخل المدينة ب 10 آلاف مقاتل وربما أكثر. وبعد 9 أشهر من المعارك الطاحنة أعلن حيدر العبادي عن انتهاء المعركة والسيطرة على كل أحياء المدينة، كما نشرت وكالة أعماق مقطعا مرئيا يظهر ما تبقى من عناصره وهم يقاتلون " حتى الرمق الأخير" في آخر أحياء الجانب الغربي من الموصل.

سنحاول في هذه المقالة رصد الثغرات التي اكتنفت تكتيكات تنظيم الدولة وهو يحاول تأخير موعد سقوط عاصمته، وأخطاءه الإستراتيجية التي عصفت بوجوده وأعادته كما كان؛ تنظيما صغيرا يلوذ بصحراء الانبار، بل أسوء مما كان بعدما بدد رصيده من الشرعية كمدافع عن سنة العراق وكمكون من مكونات المقاومة العراقية، بسبب ما ارتكبه بحق المسلمين السنة -قبل غيرهم- في كل من العراق وسوريا وغيرها من البلدان التي امتد إليها سلطانه. ويمكن فرز هذه الأخطاء والثغرات إلى أخطاء على الصعيد العسكري والسياسي والإعلامي والاجتماعي. 

1)- على الصعيد العسكري

أعطى التنظيم أهمية كبرى لمعركة الموصل وخصص لها القسط الأكبر من موارده المالية والبشرية، وألقى بكل ثقله العسكري فيها، واعتبرها معركة مصيرية لا ينبغي له أن ينهزم فيها، ولذلك عندما خسر التنظيم الموصل تداعت معاقله الأخرى بسهولة مثل تلعفر في العراق ودير الزور والرقة في سوريا. كان واضحا منذ اليوم الأول من المعركة أن تنظيم الدولة رصد معظم إمكانياته ومقدراته للمعركة تجلى ذلك في قوافل السيارات المفخخة التي هاجم بها تجمعات الجيش العراقي، حيت وصل عددها مع دخول المعركة شهرها التاسع حوالي 482 مفخخة(1)، كما سحب التنظيم سلاحه الثقيل إلى داخل المدينة واستقدم إليها النخبة المدربة من قواته، وعندما استنزفت هذه القوات، دفع التنظيم بكوادره إلى ساحة المعركة حيت ظهر أطباء ومهندسون وإعلاميون وهم يقودون عرباتهم المفخخة(2).

يُجمع الخبراء العسكريون أن إستراتيجية المواجهة المباشرة ومسك الأرض والجبهات الثابتة في ظل التفوق التقني والعسكري واللوجستي للخصم هو محض انتحار ، وعندما أصر تنظيم الدولة على الاحتفاظ بمدينة كوباني (عين العرب) مع كثافة القصف الجوي بمختلف أنواع القنابل والصواريخ عُد ذلك انتحارا جماعيا ومحرقة لعناصر التنظيم (3). وتكرر نفس السيناريو في مدينة الموصل. لقد خالف التنظيم أهم مبادئ الحرب وتعليمات كبار المنظرين العسكريين ومن هذه المبادئ:

مبدأ الاقتصاد بالجهد: ويستهدف الحصول على أفضل النتائج بأقل جهد من القوات، وتظهر قيمة مبدأ الاقتصاد بالقوات، حين يكون اتساع الجبهة كبيرا جدا بالمقارنة مع حجم القوات، أو عندما يكون العدو متفوقا استراتيجيا (4).

مبدأ المبادرة: ويعني عدم الجمود في تكتيكات أثبتت التجربة عدم جدواها، ولذلك فإن الانسحاب أمام ظروف غير مواتية هو عملية مبادرة بالرغم من أنه يبدو في الظاهر تراجعا اضطراريا. وقد يفهم من المبادة أنها عملية البدء أولا لكن هذا شكل من أشكالها، فهي بمعناها الواسع تعني حسن التصرف ضمن الحالة المعطاة(5).

مبدأ تركيز القوات: وهو مبدأ مكمل للمبدأ الأول وليس مناقضا له(6)، ويعني عدم بعثرة الجهود في معارك متفرقة وجبهات ممتدة كان بالإمكان تحييدها أو تأجيلها، عكس ما فعله تنظيم الدولة الذي قاتل العشائر السنية والفصائل السورية والأكراد والأيزيديين وقوات النظام والقوات التركية في وقت واحد فقط في سوريا والعراق، ناهيك عن الأقطار الاخرى.

2)- على الصعيد السياسي:

 رغم مظلومية سنة العراق وعدالة قضيتهم، وهم يواجهون القتل والتهميش والتهجير الممنهج إلا أن تنظيم الدولة لم يستفد من هذه المظلومية إلا بالقدر الذي يسمح له بحشد المزيد من سنة العراق خلف مشاريعه ومخططاته، بينما استغل خصومه قضية الأيزيديين وما ارتكبه التنظيم بحقهم ليجعلوا من معركتهم ضده قضية إنسانية عادلة، لقد عارض التنظيم أي خطاب سياسي مطمئن لمحيطه الإقليمي ولبعض دول الجوار واعتبر ذلك " مداهنة" و" إقرارا بحكم الطواغيت" ولم يحسن بالمرة اللعب على تناقضات المشهد السياسي العالمي، بل تفنن عبر أساليب ذبح وقتل الأجانب في استعداء دول العالم كافة، لقد كان دوما كسب الرأي العام العالمي هدفا أساسيا من أهداف حروب العصابات وحروب التحرير الشعبية.

3)- على الصعيد الإعلامي:

 كانت التغطية الإعلامية التي خصصها التنظيم لمعركة الموصل كثيفة ومتقنة عبر عشرات الإصدارات والمقاطع المرئية التي تظهر استماتته عناصره في القتال، وقوافل سياراته المفخخة وهي تستهدف تجمعات القوات المهاجمة، إعلام وإن غذى الروح المعنوية عند عناصره إلا أنه لم يوصل رسالتهم إلى العالم، إن الدور الذي يقوم به الإعلام العالمي لا يمكن أن يقوم به إعلام التنظيم وإن كان في غاية الاحترافية ويتحدث بكل اللغات. شهدت معركة الموصل مقتلة هائلة في صفوف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ لكن وبما أن التنظيم يرفض دخول الصحفيين الأجانب إلى مناطقه ويقطع رؤوسهم في أفلامه المرئية، فإن أولئك المدنيين لم يجدوا من ينقل معاناتهم إلى العالم. كان يمكن لمشاهد القتل والدمار وعمليات الإعدام التي ينفذها الحشد الشعبي ومشاهد الأطفال المقطعة أوصالهم أن تكون مادة لكسب الرأي العام العالي وتعاطف أحرار العالم، ولعنة تلاحق مجرمي الحرب الذين ارتكبوها، وربما تكون أدلة في محاكمات دولية لاحقة. إن كسب الإعلام العالمي الحر وتوفير الإمكانيات والضمانات اللازمة لممارسة دوره يعني فتح آفاق أرحب لقضيتك وترسيخا لعدالتها أو على الأقل هو حرمان لخصمك من أحد أسلحته. 

3)- على الصعيد الاجتماعي:

 يعتبر العمق الاجتماعي والامتداد الشعبي روح الحركات الثورية، إذ لا يمكن أن تستنبت فكرة ثورية في بيئة اجتماعية معادية لمبادئ الثورة وشعاراتها، هل يمكن مثلا أن تذهب إلى الجنوب العراقي لتنادي هناك بمظلومية السنة ! وهل يمكن أن تذهب إلى مناطق العلويين في سوريا لتنادي بالثورة ضد بشار ! كان تنظيم الدولة يحضا بدعم شعبي خصوصا من سنة العراق لكن إذلاله وتهميشه لعشائر العراق ووجهائه قوض ذلك الدعم وتلك الحاضنة الشعبية التي كانت ترفده بالرجال والموارد، وفي سوريا نفذ التنظيم جرائمه ضد كل شرائح المجتمع وطبقاته، وذبح كل رجال عشيرة الشعيطات في ديرالزور إلا من استطاع الفرار منهم، ولذا فقد انهارت قواته في ديرالزور لأنها معزولة اجتماعيا ومكشوفة شعبيا، ولأن عناصره يخافون من انتقام أهالي الضحايا الذين قتلهم. فالحاضنة الشعبية بالنسبة للحركات الثورية كالماء بالنسبة للسمكة,

يبدو أن الثوار استفادوا من تجربة تنظيم الدولة في الموصل، ولعل مشروع الإدارة المدنية الذي أعلنت عنه هيئة تحرير الشام وتبنيها لخطاب سياسي متوازن ومسؤول وتواصلها مع بعض الدول بما لا يشوش على مسار الثورة، ودعوتها للإعلام العالمي إلى زيارة مناطق سيطرتها، ومرونتها في استدعاء أنماط وأساليب متنوعة في المعارك والمواجهات؛ لعل كل ذلك يؤشر على قراءة حصيفة لمعركة الموصل ولتجربة تنظيم الدولة بشكل عام. 




هوامش

(1) صحيفة النبأ الناطقة باسم تنظيم الدولة الإسلامية العدد 89

(2) وثق التنظيم ذلك في إصداره المرئي " فرسان الدواوين" و " موكب النور" وغيرهما.

(3) اعترف بعض قادة التنظيم بذلك في شهاداتهم التي نُشرت مؤخرا، مثل : زفرات الدولة الموءودة، أبو عبد الملك الشامي: https://justpaste.it/1aovf

(4) الإستراتيجية والتكتيك في علم فن الحرب، منير شفيق، ص: 114

(5) الإستراتيجية والتكتيك في علم فن الحرب، منير شفيق، ص: 137

(6) الإستراتيجية والتكتيك في علم فن الحرب، منير شفيق، ص: 110



الاسمبريد إلكترونيرسالة