JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

مخبر القاعدة..ثغرات وأسئلة

هاني محمد مجاهد

عبد الغني مزوز---    

أنتجت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة فيلما استقصائيا يستند إلى اعترافات عميل سابق نجح في اختراق صفوف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لحساب نظام علي عبد الله صالح، يكشف المخبر المفترض تفاصيل مهمة جدا عن عمليات نفذها تنظيم القاعدة في اليمن وكانت قيادات في نظام صالح على علم مسبق بها، بل ووفرت لها دعما ماليا ولوجستيا (متفجرات) كما يزعم المخبر. هل يمكن أن تكون كل اعترافات هاني محمد مجاهد صحيحة وذات مصداقية؟ وهل التحقيق الذي أنجزه كلايتون سويشر استكمل جميع عناصر التحقيق الصحفي أم هو مجرد مقابلة صحفية قدمت في قالب تحقيق استقصائي لإضفاء طابع من الغموض والأهمية والتشويق عليها ؟ 
لا شك أن "التحقيق" بني على فرضية أساسية تتمثل في كون القاعدة في جزيرة العرب صنيعة نظام علي عبد الله صالح، لتأتي جميع المعطيات والشهادت و المقابلات بعد ذلك على طول مدة الفيلم لتعزز هذه الفرضية، بمعنى أن نتيجة التحقيق كانت جاهزة مسبقا وتحتاج فقط لشواهد وأدلة ترسم الطريق إليها، وسنرى كيف أن التحقيق في حد ذاته مطعون في مهنيته وأن شهادة الجاسوس المفترض تعتريها ثغرات كثيرة وكيف أن الصورة التي رسمها الفيلم للوضع اليمني مغايرة تماما لحقيقة ما جرى ويجري في اليمن.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن تنظيم القاعدة في اليمن تعرض لاختراقات كثيرة تفوق في أهميتها وخطورتها ونجاحها ما عُرض في فيلم "مخبر القاعدة" أو على الأقل الجانب المعقول مما عرض من الفيلم، لأن هناك جانب فانتازي أو سريالي لا يمكن أن تكون له أدنى صلة بالواقع. في 2012 استطاع عميل دسته وكالة الإستخبارات الأمريكية إقناع قيادات القاعدة بأنه جهادي يسعى لتنفيذ عملية انتحارية، فتم تدريبه من قبل عناصر القاعدة على هذا الأساس وتجهيزه بالقنبلة الخفية التي طورها إبراهيم حسن عسيري، غادر الانتحاري المفترض معسكرات القاعدة ليقوم بتسليم القنبلة التي كانت بحوزته إلى المخابرات الأمريكية لتحليلها والوقوف على سر تركيبتها التي عجزت أجهزة الرصد في المطارات وغيرها على كشفها. 

حالة أخرى من حالات الإختراق كشف عنها نشطاء جهاديون مقربون من تنظيم القاعدة في اليمن مؤخرا، في هذه الحالة استطاع الجاسوس المسمى همام الحميد الوصول إلى صميم الجهاز الإعلامي لتنظيم القاعدة "مؤسسة الملاحم" مشتغلا في مجال المونتاج والتصميم وإنتاج الأفلام وفي نفس الوقت يقوم بتزويد المخابرات الأمريكية بتفاصيل ومعلومات عن قيادات وكوادر القاعدة، استطاع أمنيوا التنظيم اعتقال الحميد لكن بعد أن كان سببا في اغتيال كبار قادة القاعدة في جزيرة العرب في مقدمتهم نصر الانسي و ابراهيم الربيش و حارث النظاري وهم الأكثر ظهورا في إصدارات القاعدة وربما كان الحميد من قام بتصويرها  و إخراجها فنيا.

في فيلم مخبر القاعدة يدعي هاني محمد مجاهد أنه كان جهاديا سابقا تدرب في معسكر الفاروق بأفغانستان وبتر إبهامه هناك نتيجة انفجار قنبلة، اعتقل الرجل لفترة وبعد إطلاق سراحه عرض عليه العمل مخبرا لحساب الأجهزة الإستخبارية اليمنية فوافق، تمكن من اختراق صفوف القاعدة وبدأ بتسريب معلومات عنها إلى رئيسه في العمل العقيد عمار محمد صالح بن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. يدعي هاني محمد أنه أبلغ الإستخبارات اليمنية بموعد الهجوم على السفارة الأمريكية في صنعاء و بالهجوم على سياح اسبان في محافظة مأرب قبل وقوعهما، كما أبلغها عن مكان تواجد إبراهيم حسن عسيري وورشته التي كان يستخدمها في تصنيع قنابله الخطيرة والمتطورة. يسترسل هاني في الحديث عن مغامراته ليفصح أنه كان عازما على إبلاغ عناصر السي أي أيه بما لديه من معلومات إلا أنه وفي طريقه إليهم اعترضته سيارة من الحجم الكبير وعلى الطريقة الهوليودية ترجل منها أفراد قاموا بإرغامه على الصعود والمغادرة معهم، ليكتشف أن العقيد عمار كان على علم برغبته في التواصل مع السي أي أيه وأنه عرض عليه اصطحابه إليهم ليدلي لهم بما لديه من معلومات بحضوره شخصيا، يدعي هاني أن حضور العقيد عمار اجتماعه مع السي أي أيه حال دون تزويدهم بكل ما لديه من معلومات ليقدم لهم معلومات استخبارية..هنا قطع منتجوا الفيلم المشهد ولم يسمع المشاهد طبيعة المعلومات التي أعطاها هاني لعناصر المخابرات الأمريكية على أهمية ذلك.

وفق الفرضية التي بني عليها "التحقيق" فقد بدأ الفيلم بعملية الهروب الشهيرة للعناصر الجهادية التي أسست لاحقا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لتلقي ظلالا من الشك حول العملية وبأن جهات ما داخل نظام صالح قد سهلت عملية الهروب، لإعطاء انطباع أولي أن نشأة القاعدة في اليمن كانت على يد علي عبد الله صالح وبتواطؤ من نظامه، تناول هذه الحادثة بهذه الطريقة جاءت لتأكيد إفادة المخبر  المفترض الذي وصف القاعدة بالعصابة التي يديرها علي عبد الله صالح وبالكلاشنكوف الذي يوجهه أينما يريد. وبأن قاسم الريمي الرجل الثاني في القاعدة كان يذهب شخصيا إلى مكتب العقيد عمار ليحيطه علما بمستجدات التنظيم الذي يديره وترتيباته و خططه  !  
هذا التناول السطحي لظاهرة القاعدة في اليمن لا يخرج عن إطار الكليشهات التي يرددها البعض حسب مصالحه ومواقفه السياسية عن القاعدة وقياداتها، فبن لادن يدير منظمته من مكتب خاص به في لانجلي بولاية فيرجينيا حيث مقر المخابرات المركزية، والزرقاوي يحضا بحماية أمريكية في فندق بالمنطقة الخضراء، والبغدادي أخد دورات عسكرية وإدارية في أكاديمية تابعة للموساد..إلى ما لانهاية له من القصص التي ترد على لسان ذلك السياسي أو ذاك الإعلامي كل حسب حاجته ومصلحته.

دعونا الآن نستخدم عقولنا، هل يمكن أن يكون وضع الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها الجبارة في اليمن كما صوره منتجو الفيلم، الفيلم صور الأمريكان كمجموعة من الأغبياء المغلوبين على أمرهم والمغيبين عن كل ما يجري في اليمن، بل إنهم يتسولون الحماية والمعلومات من ضباط وعساكر يمنيين الذين بدورهم يرفضون التعاون معهم بجدية، إذا كان هاتف أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا مراقبا طول الوقت وكان بوسع عباقرة السي أي أيه الإطلاع على تفاصيل حياتها و اتصالاتها المختلفة هي ونظرائها من المستشارين والرؤساء ومدراء الشركات العملاقة على امتداد الكرة الأرضية، فهل سيكون التنصت على هاتف العقيد عمار مهمة صعبة وهو الهاتف الذي يتواصل من خلاله مع هاني مجاهد وقاسم الريمي ليبلغاه بتفاصيل عمليات القاعدة ضد أهداف أمريكية وبمكان تواجد قيادات كبيرة في التنظيم وورشه التي كان يستخدمها أحد اكبر عقول التنظيم في تطوير محاليله الخطيرة.

هل يمكن أن يذهب رجل بقيمة هاني مجاهد ككنز ثمين من المعلومات إلى عناصر السي أي أيه ليخبرهم أنه نجح في اختراق القاعدة، ثم يعود إلى بيته دون أن يثير اهتمامهم ودون أن يعيدوا التواصل معه لاحقا، هل كانوا سيكتفون بجلسة واحدة معه كما جاء في كلامه وربما لم تستغرق دقائق أو ساعات على أكثر تقدير والرجل يخبرهم أن معه معلومات استخباراتية لا تقدر بثمن. هل كانت وكالة المخابرات المركزية التي لا تغادر طائراتها المسيرة أجواء اليمن على مدار الساعة وأقمارها الصناعية مجندة لالتقاط كل شاردة وواردة تتعلق بتفاصيل الوضع على أرض اليمن حكومة وقبائل وقاعدة هل كانت هذه الوكالة بإمكانياتها الجبارة تلك بكل هذا الغباء بحيث لم تكتشف أن العقيد عمار كان يدير القاعدة وكان يتلقى من قياداتها مباشرة أو من جواسيسه معلومات مسبقة عن تفاصيل هجماتها وخريطة أهدافها.

لم يبين هاني مجاهد لماذا هو مستاء وحانق على من كان يعمل لحسابهم، لكن يبدوا أن انفراط نظام صالح وتحول رموزه إلى أمراء حرب وزعماء ميلشيات، حرم هاني من عمله الذي كان يدر له دخلا يعيل به أسرته، لكن لماذا لجأ إلى الجزيرة ليروي لهم قصته، أليس أفضل له أن يتواصل مع المخابرات الأمريكية ليحضا بعقد عمل ممتاز، مع ضمانة أن لا تكتشف هويته، وقد يفوز بالجوائز المالية التي رصدت لمن يأتي بمعلومات تقود إلى قيادات القاعدة، ولأنه لم يفعل ذلك ستكون هناك أكثر من علامة استفهام حول هذا المخبر المزعوم. 

من جهة أخرى يبدو السؤال المحير هو إذا كان المخبر هاني محمد مجاهد بهذه القيمة باعتباره  من حلقات الوصل  بين القاعدة ونظام علي عبد الله صالح، وفي جعبته كل تلك المعلومات التي تدين نظاما بأكمله بحيث تكفي شهادة منه أمام قاض من القضاة لجر كل رؤسائه وفي مقدمتهم علي صالح وبن شقيقه العقيد عمار إلى السجن، إذا كان هاني بكل هذه الخطورة التي يعلم بها يقينا من يعمل لحسابهم- افترضنا هنا أنه يعمل لحسابهم- فلماذا يترك يمشي في حال سبيله، دون أن تتم تصفيته أو يُخفى قسريا هذا مع تأكد من كان يعمل لحسابهم برغبته السابقة في الإفصاح بما لديه من معلومات لجهات أخرى.
يعتبر غريبا أن يمضي رجل سنوات يعمل كجاسوس دون أن يتمكن من إبراز دليل واحد يؤكد ذلك غير كلامه وادعاءاته، إذا استثنينا الإبهام المبتور ولا نعلم يقينا هل بتر في معسكر الفاروق أو في حقل من حقوق القات فليس هنالك من دليل ملموس يعزز به شهادته، ودون أدلة ملموسة يبقى كلامه من جنس "السوالف" كما يقول أهل السعودية.
ما عرضته الجزيرة على أنه تحقيق قد لا يكون كذلك، سيكون مناسبا أن يوصف بالمقابلة أو الروبورتاج الصحفي، فمادة الفيلم الأساسية هي اعترافات أدلى بها رجل جالس على كرسي، وأخشى أن المشاهد لم يقتنع بكل ما حكاه، لأن من أنتج الفيلم لم يقدم ما يكفي من الأدلة على مصداقية مصدره. ما الذي يمنع رجلا عاديا جريئا و مفلسا من أن يجلس في نفس الكرسي ويحكي نفس القصة أو أحسن منها.  هناك جهات معنية بما يقصه الرجل ولو اتصلت بهم الجزيرة فبالتأكيد سيكون لديهم ما يؤكد أو ينفي مزاعمه، حتى صمتهم أو رفضهم التعليق سيكون له دور أساسي في بناء تحقيق صحفي جاد يسعى إلى الحقيقة، لن يكون صعبا الإتصال بالعقيد عمار و أخد تعليقه على ما يدعيه المخبر هاني ضده، ولن يكون صعبا الإتصال بالقاعدة لتقدم روايتها في الموضوع. لكن ماذا لو قدم العقيد عمار من الأدلة ما يبطل به كل تلك المزاعم، و نفت القاعدة من جانبها أي صله لها بالمدعو هاني مجاهد، آنذاك لن يكون هناك ما يمكن اعتباره تحقيقا صحفيا يدين علي عبد الله صالح بالقاعدة ويدين القاعدة بعلي عبد الله صالح، لكن ماذا لو كان ضروريا ومهما لجهات ما في هذه المرحلة أن يكون علي صالح والقاعدة وجهان لعملة واحدة، وبالتالي ضرورة طبخ تحقيق صحفي يزعم ذلك ولو على أنقاض المصداقية والموضوعية والرأي والرأي الآخر.



  
   
   

الاسمبريد إلكترونيرسالة