JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

جيش الفتح..الواقع والتحديات


عبد الغني مزوز---     

في الرابع والعشرين من مارس من العام الجاري كان المشهد الثوري في سوريا على موعد مع كيان ثوري عسكري جديد، دشنته عدد من الفصائل الجهادية وأطلق عليه اسم " جيش الفتح" بعد أربعة أيام فقط من تشكليه استطاع تحرير مدينة إدلب بالكامل كأول محطة انتصار له في مسار نجاحاته العسكرية اللافتة والمتسارعة. 

كانت لغة البيان الأول الذي أصدره جيش الفتح بتاريخ 24/03/2015 واضحة وصريحة من حيث الإصرار على فرض واقع عسكري جديد في مدينة إدلب وريفها، فجاء في البيان " وقد عاهدنا الله أن لا يهدأ لنا بال ولا يقر لنا قرار  حتى نقتلع جذور الطاغية ويحل محله حكم الإسلام وعدله ورحمته" وخُتم البيان بتوجيه رسالة إلى أبناء السنة الذي يعملون في جيش النظام بضرورة الإسراع إلى التوبة وتسليم السلاح قبل فوات الأوان. لم يكن " جيش الفتح" تكتلا عسكريا مندمجا و مستقلا بل مجرد غرفة عمليات مشتركة بقيادة موحدة، غير أن انسجام الفصائل المشاركة فيها ووضوح أهدافها وتصورها للمعركة، إضافة إلى استفادتها من تجارب غرف العمليات المشتركة السابقة، قدم مشروع "جيش الفتح" ككيان مستقل ضارب أكثر منه غرفة عمليات مشتركة. يضم جيش الفتح عدد من الفصائل الكبيرة والمؤثرة في الساحة وهي:  أحرار الشام، وجبهة النصرة، وجند الأقصى، وجيش السنة، وفيلق الشام، وصقور الشام، ولواء الحق، وأجناد الشام.

التقدم العسكري

أربعة أيام فقط كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين البيان الأول لجيش الفتح ودخوله مركز مدينة إدلب، ودحره لقوات الأسد من المربع الأمني الذي تتحصن به في نصر سريع وحاسم، عزز من ثقة جيش الفتح بقدراته القتالية، وفعالية إستراتيجيته العسكرية. وفي 22/04/2015 أعلن جيش الفتح بدء معركة تحرير  مدينة جسر الشغور وأطلق على المعركة اسم "معركة النصر" بمعية فصائل أخرى كأنصار الدين وجيش الإسلام، لتُحسم المعركة في 25 من الشهر نفسه، حيث دخلت قوات الثوار مركز المدينة وسيطرت على كميات هائلة من الأسلحة والآليات. في 27 من أبريل تمكن "جيش الفتح " من تحرير معسكر  القرميد بعد مواجهات ضارية بينه وبين قوات النظام المتحصنة به، وفي 12 من مايو استطاع جيش الفتح تحرير الحواجز العسكرية المتواجدة في جبل الأربعين.
مسلسل انتصارات جيش الفتح في الريف الإدلبي متواصل، حيث تمكن في 19 من مايو من تحرير معسكر المسطومة بالكامل، وبلدة نحليا المطلة على مدينة أريحا التي لجأ إليها أفراد قوات النظام الفارين من المسطومة.

الانتصارات المتوالية لقوات جيش الفتح تعزى إلى اعتماده تكتيكات حربية فعالة أربكت قوات الأسد وقوضت أملها في الصمود داخل معسكراتها وتحصيناتها وشلت قدراتها على الفعل و المواجهة، كما أن حضور السلاح الثقيل والنوعي خصوصا صواريخ "تاو" التي حصلت جبهة النصرة على بعضها بعد اقتحامها لمقرات حركة حزم وجبهة توار سوريا، منح الثوار امتيازا كبيرا على صعيد تحييد مدرعات العدو وسلاحه الثقيل. المراقب للتحركات العسكرية الناجحة لجيش الفتح يستخلص أن معادلة التفوق التي صنعت انجازه العسكري تتمثل في اعتماده أساليب وتكتيكات فتاكة منها: المفخخات، الإنغماسيون، الإقتحاميون..

استخدمت المفخخات على نطاق واسع في عمليات جيش الفتح وكان لها دور كبير في تدمير الحواجز والنقاط العسكرية الحصينة المستعصية، بعد انفجار المفخخة يأتي مباشرة دور الإنغماسيين الذين يتسللون إلى داخل الأبنية التي يتمترس داخلها عناصر قوات النظام ليشتبكوا معهم وجها لوجه مستغلين عامل المباغتة والرعب الناتج عن تفجير المفخخة، الاقتحاميون هم طليعة القوة المقتحمة للموقع يتمتعون بقدرات قتالية عالية، و يحافظون على زخم الهجوم وقوة نارية كثيفة وغالبا ما يتحركون خلف المدرعات التي تحميهم من نيران العدو ورصاص قناصته. هذه الأساليب تصيب قوات الأسد بالإرباك وتشتت تركيزها وتضيق خيارتها في البقاء و المواجهة ليكون الفرار أو الاستسلام أفضلها في أحسن أحوالها.
               
النجاح الإداري

كان من بين الأخطاء التي تعقب سيطرة الثوار على مدينة من المدن سوء إدارتها وذلك بتحويلها إلى مجال للصراع على النفوذ، وتقطيع أوصالها بالحواجز والمقرات العسكرية، والفوضى والارتجال في تسيير شؤونها، حيث ينفرد كل فصيل بأسلوبه في الإدارة والتسيير عبر هيئاته الشرعية والقضائية والأمنية، وهو غالبا ما يفضي إلى تضارب في الصلاحيات واشتباك بين الفصائل، خصوصا عندما يتم اعتقال أحد عناصر فصيل ما من طرف فصيل آخر، فتبدأ المشاكل والتجاوزات والحواجز الطيارة وغيرها من الإجراءات التي تنعكس سلبا على حياة المدنيين من جهة وخطوط الرباط من جهة أخرى.

في إدلب اتفق الثوار على تحييد المدينة من كل أشكال الصراعات البينية، وتشكيل إدارة مدنية مستقلة تتولى تسيير كافة القطاعات الخدمية والمعاشية للناس، وتأسيس هيئة قضائية عليا وإنشاء مديريات يناط بها تدبير قطاعات مرتبطة بالتعليم والاتصالات وتوفير حاجيات المواطنين الأساسية كالخبز والمياه وغيرها. وتكون الكفاءة المعيار الوحيد الذي يؤخذ بالاعتبار في تعيين الأطر والكوادر داخل هذه الإدارات والهيئات المدنية، بعيدا عن أي محاصصة فصائلية وتنظيمية. كما حرص جيش الفتح مند اللحظات الأولى لدخوله المدينة على تأمين كل مرافقها الحيوية ووثائقها الرسمية والأرشيفية، ومنع مصادرتها أو إتلافها.

بيان حركة أحرار الشام الصادر عقب تحرير إدلب أشار إلى ضرورة تعاون أبناء المدينة على تدبير شؤونها، مؤكدا على أهمية تقديم مصلحة المدينة على مصلحة الفصائل المحررة لها، في نفس السياق جاءت كلمة الجولاني المسؤول العام لجبهة النصرة لتطمئن الجميع، ولتطرح تصورا لما بعد التحرير نال إعجاب كل مكونات الثورة حيث قال: "  إننا كجبهة النصرة نؤكد على عدم حرصنا على حكم المدينة أو الاستئثار به دون غيرنا، وإنما حرصنا أن تكون المدينة بأيد أمينة يحققون فيها العدل ويسحقون الظلم ويحكمون بشرع الله ويبسطون الشورى " وشدد الجولاني على أهمية عودة الموظفين إلى وظائفهم والاستفادة من الكوادر  والطاقات الموجودة في المدينة.
يراهن الثوار على تحويل إدلب إلى نموذج ناجح في الإدارة المدنية للمناطق المحررة، لتكون دليلا على قدرة الثوار على التدبير الكفء لمناطق سيطرتهم، بما يسمح بتأمين حياة كريمة للمواطنين من جهة والتفرغ لجبهات القتال الكثيرة من جهة أخرى.

انضباط المواكبة الشرعية

من المعروف أن أي تحرك عسكري للثوار في سوريا يكون مواكبا بفرد أو أكثر ممن يعرفون بالشرعيين، وهم طلبة العلم الشرعي الذين يمتلكون رصيدا فقهيا يؤهلهم لإصدار الفتاوى وتقديم التوجيهات الشرعية للمقاتلين، خصوصا فيما يتعلق بأحكام الإعدام والغنائم والترجيح بين المصالح والمفاسد في كل عمل ميداني، لاسيما إذا كان في مناطق مأهولة بالمدنيين، فيحتاج المجهود العسكري إلى ضبط شرعي حتى لا يخرج عن حدود الضرورة وهذا ما يحتاج إلى شرعيين مؤهلين لتقديره والفتيا فيه.

اختارت قيادة جيش الفتح الداعية السعودي الدكتور عبد الله المحسني كشرعي يواكب نشاطه العسكري، فأصدر قبل التحرك إلى إدلب توجيهات صارمة تؤكد على أنه " لايجوز أبداً قصف المدينة من الداخل إلا بسلاح دقيق جداً على مواقع تصدر منها النيران وذاك بقدر ضيق محدود يقدره الشرعيون والعسكريون" وأن : " أبناء الشبيح لا علاقة لهم بتشبيح أبيهم ما لم يعينوه في قتال المسلمين فلا تعاقبوا أباهم أمام أعينهم،فيظل ذلك المشهد عالقاً في أذهانهم " وأضاف أنه: " في حال مكن الله لكم فلا تخربوا المدينة ولا بيوتها و ممتلكاتها أنتم أصحاب رسالة ومبادئ،فأروا العالم أخلاقنا في زمن انعدمت فيه القيم" وأن "من في مدينة إدلب هم أهلنا هم منا ونحن منهم لا يجوز ترويعهم ولا أذيتهم ، إلا من حمل السلاح من النصيرية ومن دافع عن النظام الأسدي".

عبد الله المحسني - أصيب في وقت لاحق- حضي بقبول الثوار في سوريا وقدم نفسه كطالب علم مستقل يسعى في خدمة الجميع، نجح في تأطيره الشرعي لفعاليات جيش الفتح إذ تعتبر عملية فتح إدلب عملية نظيفة لم تحدث فيها تجاوزات أو اعتقالات تعسفية أو تصفيات ميدانية، وهو ما نوه إليه المحسني في حسابه على تويتر.

على صعيد النشاط الإعلامي تبدوا جهود جيش الفتح دون مستوى الحدث الذي يصنعه، نعم هناك نجاح باهر في ما يتعلق بالمواكبة الآنية لحركة الثوار، وتوثيق مشاهد الاشتباك والإنغماس وبثها فورا، وإحاطة المتابعين والمهتمين بآخر مستجدات المعارك، لكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار استراتيجية إعلامية متكاملة، تقدم تغطية احترافية لكل جوانب المشهد وحيثياته، وتنقل نجاحات الثوار على الصعد الأخرى، ويبقى تعيين ناطق إعلامي ضرورة ملحة في الوقت الراهن، ليسمع الرأي العام العالمي وجهة نظر جيش الفتح في مختلف القضايا والأحداث، لكي تصل رسالة الثوار بوضوح إلى كل الفئات الشرائح عبر المؤتمرات الصحفية والندوات واللقاءات التلفزيونية وغيرها.

رغم تميز نموذج جيش الفتح ونجاحه في فرض واقع عسكري وسياسي جديد في وقت قياسي، فإن تحديات كثيرة لا تزال تعترض مساره الثوري، لعل أهمها يكمن في مدى قدرته على بلورة خطاب سياسي واضح وراشد، يستثمر المنجز العسكري ويحتوي جميع فرقاء الساحة في إطار مشروع سياسي إسلامي جامع، والتحدي الآخر مرتبط بقدرة الجيش على التماسك و تجاوز إمكانيات التصدع والإنهيار، أما أخطرها فهو التحدي الذي يفرضه وجود تنظيم الدولة و حساباته التي لا يمكن التكهن بها، فقد يفتح جبهات ويفتعل معارك في أي لحظة مع جيش الفتح، خصوصا مع تصاعد نبرة أنصاره الذين دشنوا حملة على الإنترنت تصف فصائله بصحوات الشام، وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة كانت التحدي الأبرز الذي اعترض مسار النسخة القلمونية من جيش الفتح. كما أن حاجة الثوار  الماسة إلى مزيد من الأسلحة الثقيلة والنوعية يمثل تحديا آخر لا يقل أهمية عن التحديات الأخرى، خاصة الأسلحة المضادة للطائرات لأن النظام يعمد إلى معاقبة أي مدينة تخرج عن سيطرته بقصفها عشوائيا بعشرات البراميل والصواريخ، وبالتالي فتأمين المدينة من البراميل المتفجرة لا يقل أهمية عن تحرير ها وتدبير شؤونها.

   



الاسمبريد إلكترونيرسالة