JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

عاصفة الحزم وخرائط الدم

عاصفة الحزم

عبد الغني مزوز--- 

استيقظ العالم في صبيحة 26 من مارس 2015على إيقاع حرب غير متوقعة، شنها تحالف من عشر دول على قوات الحوثيين في اليمن وحليفهم علي عبد الله صالح. الميديا المواكبة للعملية عبرت عن حجم الدهشة والإعجاب اللذان سيطرا على الرأي العام العربي من العملية التي ستخلص اليمن من شبح ولاية الفقيه، وتحصن بالمقابل شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي. 

من فرط حماسة البعض كتب يقول أن عملية عاصفة الحزم دشنت دون علم الولايات المتحدة، أو  بغير  رضاها الكامل. وهذا رأي لا يفتقد فقط للمصداقية بل للعقلانية والجدية أيضا، أمريكا هي التي أمنت العملية لوجستيا ومعلوماتيا وبالتالي أهداف العملية وحدودها هي من قامت بوضعها. هذا ليس محل جدل ، لكن الذي ينبغي أن يدول حوله الجدل ويثور حوله النقاش هو توقيت العملية وشعارها المعلن " الدفاع عن شرعية هادي".

قبل فترة أعلن عن تحالف دولي ستيني لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي اكتسح مساحات واسعة في سوريا والعراق، ونفد عمليات إعدام مروعة لرهائن غربيين، وكان مسئولا عن مجاز فضيعة ارتكبت بحق المدنيين في مناطق كثيرة بسوريا. كانت الأهداف المعلنة للتحالف الستيني هي محاربة هذا التنظيم وتعزيز قدرات الجيش العراقي وحماية الأقليات التي تتعرض للإبادة والتشريد.

لكي نفهم ما يحدث في المنطقة وسر التحالفات القائمة، لا بد من تجاوز الشعارات المعلنة، لأنها لن تخرج عن سياق التسويق السياسي والإعلامي للفعل العسكري، وبالتالي ضرورة وإعادة قراءة الأحداث مفترضين أن ما يجري قد يصدر عن إرادة ما هذه الإرادة مسلحة بخطط و أجندة وخرائط, وترى في منطقة الشرق الأوسط مجالا حيويا لاشتغالها.

"تنظيم الدولة الإسلامية" و " جماعة الحوثيين" كيانان وظيفيان، يراد منهما أن يكونا روافد لمشاريع تقسيم وتجزئة للمنطقة، وإعادة صياغتها وفق خرائط الدم، ووفق خطط تسعى لتسييد أقليات الأمة، وبناء كيانات كبيرة لها (كيان كردي وكيان شيعي) تُؤتمن على مصالح وأمن إسرائيل في المنطقة. ولكن يحدث عن أن يخرج هذان الكيانان أقصد الحوثيين وداعش عن مسارهما المراد، فتضطر القوى المتحكمة النافذة إلى إعادة توجيهما نحو المسار الصحيح، وهذا التوجيه قد يأخذ أحيانا أسلوب عنيفا قسريا، إذا فشلت أساليب التوجيه الناعمة  كالاختراق التنظيمي أو الفكري أو "الشرعي" للكيان وقيادته من الداخل. 

تنظيم الدولة الإسلامية كان عبئا كبيرا على الثورتين السورية والعراقية، وكان ينفذ مجازره المروعة بحق المدنيين في سوريا على مرأى من العالم، لكن الغرب كان مرتاح جدا لمسألة وجود تنظيم دموي كداعش يعيث فسادا وتدميرا في قلب المجتمعات السنية، لأنه يراه ناشطا ضمن مجاله المسموح به ويقوم بما ينبغي أن يقوم به، من إنهاك وضرب للقوى الثورية، وحواضنها الشعبية. 

هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على القوى الكردية في شمال العراق وتوجهه إلى أربيل وكوباني كان بالنسبة للغرب خللا وظيفيا، في ماكينة "داعش" وخروجا لها عن المسار، فمجال اشتغالها لا ينبغي أن يتعدى المناطق السنية العربية، فكان التحالف الستيني الذي هش قوات تنظيم الدولة عن المناطق المحرمة، ليعود بها إلى مجالها المسموح به. لا بأس أن تذبح داعش قبيلة سنية بأكملها (الشعيطات)، ولا بأس أيضا في اجتياحاتها المتواصلة للقرى والمدن السنية في العراق وسوريا لكن لا يجب أن تفكر في أكثر من ذلك. 

الحوثيون لم يكونوا مذنبا سقط من الفضاء الخارجي، وعلي عبد الله صالح حليفهم الكبير لم يكن كائنا فضائيا هبطت مركبته اضطراريا في جبال اليمن، بل كانوا قوة عسكرية وسياسية، صرفت لهم الرواتب والمنح المالية والدعم العسكري من جهات معروفة إلى عهد قريب إن لم يكن إلى هذه اللحظة.

 كان الحوثيون كيانا وظيفيا أراد منه الكبار أن يكون عامل تخريب وضعف لليمن وثورته، وسكينا تذبح بها القوى الإسلامية السنية في اليمن، وكانت تحركاتهم العسكرية في الشمال تتم بغطاء جوي من الدرونز الأمريكية، فلا بأس من حصارهم لمدارس السنة وتفجير مساجدهم في دماج، ولا بأس بمجازرهم ضد القبائل السنية، وأنعم بدخولهم صنعاء وملاحقتهم قيادات الإصلاح الاخوانية وحصارهم الرئيس، ومرحبا بإعلانهم الدستوري ورئيسهم راعي الغنم في جبال صعدة.

مثلما كان اجتياح داعش للمناطق الكردية خللا وظيفيا، كان دخول الحوثيون عدن خطأ وظيفيا أيضا، دخولهم عدن يعني بسط إيران سيطرتها على منفذين بحريين يلعبان دورا حيويا في حركة التجارة العالمية هما باب المندب ومضيق هرمز. وهذا النشاط أو الفلتان من جماعة الحوثي لم يكن مدرجا في "الكاتالوج" أو دليل الإستعمال الخاص بالحوثيين. لأن دليل الإستعمال المرفق بحركة "أنصار الله" الحوثية يقتصر فقط على تخريب الثورة اليمنية، والقضاء على القوى الإسلامية السنية، وتأديب القبائل اليمنية المتمردة، وانتظار تعليمات لاحقة بشأن تقسيم اليمن. وبالتالي ضرورة هش الحوثيين عن جنوب اليمن مثلما هشت داعش عن شمال العراق.

سيكون شيء رائعا أن ينتفض العرب دفاعا عن شرعية رئيس وصونا لسيادة دولة وحفاظا على مكتسبات ثورة، لكن الشرعية لا يافع عنها من قتل ألاف ممن نادوا بالشرعية، وقبض على رئيس مدني منتخب وليس معين كمنصور هادي، وزج به في السجن منتظرا دوره في منصة الإعدام. أتمنى أن يكون نموذج علي صالح الذي انطبق عليه المثل القائل "سمن كلبك يأكلك" دليلا على أن الرهان الحقيقي لا ينبغي أن يكون إلا على الشعوب ومن اختارتهم الشعوب.


الاسمبريد إلكترونيرسالة