JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أوباما وفر وقتك..لن تهزم البغدادي



عبد الغني مزوز ---


يعرف ألبرت أينشتاين الغباء بأنه ﻓﻌﻞ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺸيء ﻣﺮﺗﻴﻦ ﺑﻨﻔﺲ ﺍلأﺳﻠﻮﺏ ﻭﻧﻔﺲ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﻣﻊ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. استنادا إلى القاعدة الأينشتينية في تعريف الغباء يمكننا المغامرة بالقول أن التحالف الذي يسعى أوباما إلى بناءه لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية هو في الحقيقة تحالف من الأغبياء والمغفلين لماذا ؟ 

"الظاهرة الجهادية" المعرفة سوسيولوجيا كظاهرة اجتماعية لها محدداتها الدينية والثقافية والنفسية، تنمو وتمتد وفق شروط لا يجتمع أغلبها إلا في بيئة الحصار والاضطهاد والخوف، وتنحسر في لحظات التمكين والحرية والأمن. ماذا يفعل السيد أوباما الآن انه ببساطة يريد أن يحقن المشروع الجهادي بعناصر القوة والحياة، ويفرش من جديد البيئة المثالية لنموا الظاهرة وتألقها, نعم سينحسر الوجود المادي والجغرافي للجهاديين لكن هذا الانحسار سيقابله امتداد أيديولوجي ومعنوي هائل.



لننعش ذاكرتنا قليلا في 2001 دشن بوش حربه المقدسة الكونية على الإرهاب، ووضع العالم بمجراته ومجموعته الشمسية أما خيارين : إما معي وإما مع أسامة بن لادن وبعبارة أخرى إما معنا وإما مع الإرهاب, الكون كله رضخ لتهديد السيد بوش (باستثناء الملا عمر طبعا) وقرر مشاركته مغامرة الحرب على الإرهاب, في الأسابيع الأولى للحرب على الإرهاب في أفغانستان حقق بوش انتصارا استعراضيا سريعا لكنه غير مجدي على شاكلة الوجبات الأمريكية السريعة تصيبك بالشبع لكنها غير صحية وعواقبها وخيمة. انفرط حكم الملا عمر وحوصر أسامة بن لادن مع بضعة رجال في قمم تورابورا هم كل ما تبقى من مشروعه, ولا توجد بقعة أخرى على وجه البسيطة مستعدة لاحتضان مشروعه أو إرفاده بالرجال والكوادر من جديد. ماذا حدث بعد ذلك؟ 

استطاع أسامة بن لادن الإفلات من حصار الأمريكان والدستميين والانحياز من تورابورا, اكتشف أن بوش الإنجيلي المتعصب أروع هدية قد يحصل عليها يوما, فقرر أن يستثمره إلى آخر خلية في دماغه تمده بالغباء, وكذلك فعل. فماذا كانت حصيلة حرب بوش على الإرهاب؟

بالنسبة للقاعدة فقد تحولت من مجموعة من الرجال شبه العزل المحاصرين في قمم تورابورا في بداية الحملة البوشية عليها, إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس, لها وجود ضارب في كثير من الدول, أفغانستان, باكستان, الصومال, اليمن, ليبيا, الجزائر، فلسطين, لبنان, مالي, سوريا, العراق, القوقاز, شبه القارة الهندية, وتسيطر فعليا على بعضها, نتحدث هنا عن القاعدة كتنظيم أما القاعدة كفكر وأيديولوجيا فلائحة الدولة والمناطق ستطول جدا. 

أما الملا عمر الذي اعتبر مجرد طلب بوش تسليمه أسامة بن لادن وقاحة, ومجرد التفكير في تنفيذه خيانة, فقد خسر جزءا من نفوذه في البداية, لكنه اليوم يقف كالولد المدلل حيث يعجز الجميع عن إرضاءه, متشبثا بحقوقه وحقوق شعبه. استعاد السيادة على معظم تراب وطنه, منحت إمارته سفارة في دولة قطر , وأرغمت أمريكا التي لا تتفاوض من قبل مع الإرهابيين على التفاوض معه للخروج بحل يرضي كبرياء البشتون ويحفظ ماء وجه أمريكا. 

أما بالنسبة لأمريكا فقد تضاعفت التهديدات الإرهابية ضدها عشرات المرات, انحسر نفوذها السياسي والاقتصادي لحساب قوى وكيانات أخرى صاعدة. بمشقة نفس تمكنت من تجاوز أزمة مالية خسرت على إثرها الكثير على صعيد الاقتصاد والسمعة, لم تعد لها الكلمة النهائية في كثير من قضايا العالم. 

كانت تلك حصيلة الحرب على إرهاب شبه أعزل محاصر في قمم الجبال, فكيف ستكون حصيلتها على إرهاب وضع يده على دول بمواردها وطاقاتها. فتنظيم الدولة الإسلامية يقف على غابة من السلاح بمختلف أشكاله وصنوفه, وموارد اقتصادية وبشرية غير محدودة, وعقيدة قتالية صلبة لا تعرف التراجع, ومهارة وخبرة قتالية عالية, وكوادر متدربة مستقدمة من بلاد شتى تمرست الحرب مند عشرات السنين, وخلف كل هذا جهاز إعلامي ودعائي ضخم ومنظم. في بداية الحرب الأولى على الإرهاب, كان الجهاز الدعائي للقاعدة شبه منعدم, بضع كلمات يسجلها أسامة بن لادن ورفيقه أيمن الظواهري, تصل متأخرة إلى الجزيرة, يبث جزء منها أو لا يبث بالمرة, من يجرؤ على بثها وبوش أوحى إلى قرينه أنه سيقصف مقر الجزيرة في قطر, إذا أصرت على موقفها كمنبر للرأي والرأي الآخر. اليوم يمتلك الجهاديون جهازا إعلاميا هائلا ينقل صوتهم واضحا إلى القارات الخمس ويخاطبون القوم بلغتهم. لقد اعترف التحالف الدولي على الإرهاب أن دعاية الإرهابيين تفوقت على دعايتهم.

القاعدة بالقياس إلى تنظيم الدولة الإسلامية هي تنظيم موغل في السلمية والاعتدال, وهذا الأخير لا يعرف التقسيم التقليدي للكيانات حيث النفوذ مقسم بين جناح الحمائم والصقور, بل الكيان كله عبارة عن سرب من الصقور مهمتهم الافتراس ولا شيء آخر غير الافتراس.

أبو محمد العدناني رجل الدعاية الأول في تنظيم الدولة الإسلامية, أعلن عن إستراتيجية جديدة لتنظيمه قبل فترة وهي إستراتيجية مسك الأرض وتعرف في أدبيات الجهاديين "بجهاد التمكين" ويقابله " جهاد النكاية والإنهاك" حيث قال: " عائدون إلى كل المناطق التي انحزنا منها وزيادة.." بعد مدة سيطر التنظيم على مدن رئيسة في العراق أبرزها الموصل في الشمال. وأكد العدناني في تسجيل آخر أنهم لن ينسحبوا من أي مدينة يسيطرون عليها حتى ولو قتلوا عن بكرة أبيهم. إذن نحن بصدد إستراتيجية جديدة تمزج بين حرب العصابات والحرب النظامية, حرب نظامية لأنها قائمة على إستراتيجية المحافظة على الأرض, وحرب عصابات لأنها ستعتمد على الخلايا الصغيرة والكمائن والاغتيالات. 

القوات الأمريكية مدعومة بالقوات العراقية لم تستطع دخول الفلوجة في 2004 إلا بعد جولتين من المعارك ضد الجهاديين المتحصنين داخلها وأعدادهم لا تتجاوز العشرات, ولولا السلاح الكيميائي لما دخلوها, وقد حكى الجهاديون الذين تمكنوا من الخروج من الفلوجة كيف أن الأمريكيين كانوا على وشك إعلان استسلامهم, حتى أن حراس سجن أبو غريب فاوضوا السجناء على إطلاق سراحهم مقابل عدم التعرض لهم. ومعركة الفلوجة أرخ لها الإعلامي أحمد منصور في كتابه معركة الفلوجة هزيمة أمريكا في العراق.

إذا كانت قوات المارينز والقوات العراقية حاصرتا الفلوجة ولم تنجحا في اقتحامها, رغم القصف الاستراتيجي والتكتيكي المساند لهما والمتحصنون داخلها يقدرون بالعشرات وأسلحتهم البنادق و RBG فقط, فكيف سيتمكنون من اقتحامها اليوم ولا قوات مارينز على الأرض والجيش العراقي منهك ومفكك وقتل منه آلاف في غضون أيام, وتنظيم الدولة الإسلامية مسلح بشتى أنواع الأسلحة الأمريكي التي حصل عليها من القواعد والثكنات التي اقتحمها, دبابات, مضادات طيران، صواريخ, رشاشات ثقيلة, مدافع, عربات مصفحة حاملة للجند, همرات, سيارات رباعية الدفع, مفخخات, ألغام, بنادق آلية متطورة.. كل هذه القطع من الأسلحة وغيرها يملك منها التنظيم فائضا كبيرا, حتى أنه فضل إرسالها لسوريا أو حرقها في قواعدها..فكيف يا ترى سيهزمون هذا الكيان الضارب؟.

لا تحدثني عن البشمركة فلو تأخرت الأف16 ليوم واحد لتحولت أربيل إلى ولاية يجبى إلى البغدادي خراجها.

جورج بوش كان أكثر تحديدا في تعريفه للإرهاب وبالتالي فتوصيات مراكز البحث في عهده مثل مركز "راند" للأبحاث, حثت على دعم وتعزيز وجود شبكات إسلامية معتدلة كبديل عن التيارات الإسلامية الراديكالية. بينما أوباما اليوم وافق ضمنا على حشر الإسلاميين معتدلين وراديكاليين في خانة الإرهاب فهو الذي أثنى على دور مصر في محاربة الإرهاب, و"الإرهاب" الذي تحاربه مصر وتصر على أنه إرهاب هو حراك الإخوان المسلمين ونشاطهم السلمي. كما أن حلفاء أوباما الرئيسيين في حملته على ما يسمونه الإرهاب هم دول ترى أن وجود الإسلاميين -مجرد وجودهم -هو نوع من الإرهاب الذي ينبغي أن يسحق. 

قرار مجلس الأمن رقم 1270 كان واضحا في وضعه تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة تحث البند السابع، ما يعني أن الإدانة الدولية تشمل تنظيم الدولة الإسلامية وقطاع واسع من المعارضة السورية المتحالفة مع جبهة النصرة, إضافة لتنظيم القاعدة على اعتبار أن جبهة النصرة هي الفرع السوري للتنظيم، وبالتالي فدائرة المستهدفين واسعة, وبنك الأهداف كبير جدا, واحتمالية خروج الوضع عن السيطرة واردة جدا. وتورط التحالف الجديد ضد الإرهاب في ضرب أي هدف يتبع جبهة النصرة مثلا يعني أن موقف المعارضة الإسلامية السورية كلها سيكون صارما وواضحا اتجاه التحالف الدولي، وبالتالي سيتعزز موقف البغدادي ودولته, وسيجد الفرقاء الجهاديون أنفسهم ضمنيا على أرضية مشتركة وموقف موحد، وقد يكتشف السيد أوباما متأخرا أنه كان بصدد مهرجان للمصالحة بين الجهاديين توج بلم الصفوف وعودة التعاون والثقة بينهم.

أخشى أن يستفيق أوباما وأعضاء تحالفه الجديد يوما ما ويكتشفوا أنهم كانوا موظفين عملوا بإخلاص في بلاط البغدادي. حتى وسع مملكته ومد سلطانه.

صدقوني جماعة باقية, صعبة المراس.. 



تابعني على تويتر 


الاسمبريد إلكترونيرسالة