JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الحلقة السادسة :- ربيع عربي .. أم ثورة أممية ؟!



م| المقداد جمال الدين


مما يرويه لنا أهل الشام بالتواتر خِتياراً عن خِتيار، ومؤرخا عن مؤرخ، أنه عندما هَزم الجنرال الفرنسي المستعمر "غورو" قوات المتطوعين السوريين بقيادة "يوسف العظمة" في معركة ميلسون الشهيرة عام 1920، زحف الجنرال المنتصر إلى دمشق، فلما اقترب من ساحة المسجد الأموي وقف عند بابه الغربي وانحرف موكبه المنتصر بجنده إلى الشمال قليلاً، حتى أفضى إلى مدفن الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.

فنزل "غورو" من عليائه، وضرب بقدميه قبر الرجل الذي هزم أجداده في الماضي، وهزمَ هو أبنائه في الحاضر .. قائلا له كلمات يجب أن تظل محفورة في أذهاننا لأنها لن تعكس لنا فقط طبيعة الصراع، ولكنها ستفسر لنا أيضاً كثيراً من الواقع.

قال له "" هانحن قد عدنا يا صلاح الدين ولن نخرج من هذه الأرض أبدا .. الآن فقط انتهت الحروب الصليبية ""
{{ راجع كتاب أرض البطولات للمؤرخ والاديب عبد الرحمن رأفت الباشا }}

قديماً قال الفيلسوف الصيني " صان يات صن" : إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك .. فالنصر لك 100%، وإذا لم تعرف عدوك ولم تعرف نفسك .. فالهزيمة لك 100% "



مضت الأيام على هذه الحال، وسار قطارنا المنكوب من الاستعمار الانجليزي والفرنساوي المباشر إلى الاستعمار غير المباشر على يد وكلائهم وعملائهم .. تغير شكل الاستعمار ولكن لم يتغير الاستعمار ! .. لماذا ؟!
الجواب :- لأن من يضع القضبان يحدد وجهة القطار ومصيره.
والمنتصرون في الحروب العالمية صنعوا لنا النظام " الدولي" ووضعوا لنا - وللعالم - القضبان، ومن ذلك الحين ونحن نسير عليه وإليه.

ولكن آن لنا الاوان أن نفكر قليلا خارج القضبان !


النظام الذي سيتغيّر
============

على مدار التاريخ اتخذ النظام العالمي 3 أشكال مختلفة :-
1 - نظام متعدد الأقطاب :- وهو ماكان في أغلب التاريخ حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى ونهاية الامبراطورية العثمانية.
2- ثنائي القطب :- حيث تهيمن عليه وتتحكم في مصيره دولتان فقط.، وهو ماحدث بعد الحرب العالمية الثانية، حيث احتكر الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة النظام.
3 - احادي القطب :- وهو ماتشكل بعد تحلل الاتحاد السوفيتي، وانفردت به الولايات المتحدة بالتحكم في العالم، وهذه أتعس صورة رآها العالم ربما في تاريخه كله.

- بعد هزيمة العدو المتمثل في الاتحاد السوفيتي، تم إعادة بناء عقيدة الغرب السياسية والعسكرية متمثلا في حلف الناتو، وكان من أهم الذين شاركوا في صياغة عقيدة الحلف الجديدة؛ نخبة هارفارد الأمريكية وعلى رأسهم صمويل هنتجنتون والذي شارك في أطروحته الشهيرة ( صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي ) بالقسط الأكبر في ذلك.
تتلخص أطروحته في التالي :-
" أن الصراع بين الحضارات سيكون هو سمة القرن 21، وأن الصراعات الرئيسية في السياسة الدولية فيه سوف تنشب بين مجموعة من الحضارات المختلفة، وستكون حدود التوتر الفاصلة بين تلك الحضارات هي خطوط المعارك الكبرى في المستقبل، وحددها هنتجنتون في 3 حضارات رئيسية وهي : الحضارة الإسلامية، والحضارة الصينية، والحضارة الغربية "

- لا يقلل صمويل هنتجنتون من قيمة الأبعاد السياسية أو الاقتصادية في الصراعات الدولية المستقبلية، ولكنه يبحث لها عن كليّة واحدة تجمعها وتحددها، وقد وجدها في ( الحضارة ).

- إن منطقتنا المنكوبة رغم أنها أسخن بقاع الأرض والأكثر عرضة دائما للتغيرات، ولكنها هي المنطقة التي تحفظ توازن معادلة القوى في النظام الدولي، نظراً لكونها تحمل نواة الحضارة الإسلامية المتمردة والتي هي موطن نزاعات العالم الرئيسية اليوم، ونظراً أيضا لأنها الأغنى بالموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط، ممايجعلها قادرة على العبث دائماً في منجزات نظام الحرب العالمية الثانية، وعلى رأس تلك المنجزات الأنظمة الملكية والعسكرية في الدول العربية والإسلامية التي تحرسه.

- والأنظمة العالمية - بشكل عام - تتغير دوماً بالحروب أوالثورات، ومن قوانين التاريخ أنه لابد أن تتسلم القوى العظمى الواعدة من قريناتها راية القيادة بعد صدام خشن يفقد فيه العالم الكثير، وتنتهي فيه امبراطوريات او حضارات أو أيدلوجيات أو الكل مجتمعاً .. لتظهر فيه أو تُتَوج فيه أخرى !

- حتى الآن .. لاخلاف بين الاستراتيجين أو المؤرخين - تقريباً - أننا على وشك أن نشهد نظاماً عالمياً جديداً به أكثر من قطب لاسيما مع صعود التنين الصيني، وأنه يجري الآن إعادة تشكيله وتصوره، وربما توزيع غنائمه ..
ألم تُقسم غنائم الدول العثمانية في 1916 ولم تكن قد هُزمت بعد !


إلى أين نحن ذاهبون ؟
============
- بصراحة ووضوح .. نحن ذاهبون إلى تقسيم وهزيمة أسوأ من سايكس بيكو الأولى .. فسايكس بيكو الأولى التي كانت خطاً على خريطة، يصل من (الكاف) إلى (الكاف).. الكاف في عكا والكاف في كركوك .. كانت تقسيماً جغرافياً وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة يبدو أنه تقسيم موارد ومواقع !

- إننا نشهد الآن انهيار منظومة سايكس بيكو - أحد أعمدة النظام العالمي، ليس فقط بأيدينا ولكن حتى بأيدي غيرنا، فالسلاح والمقاتلون ينتقلون من ايران إلى بيروت مرورا بالعراق وسوريا ذهاباً وإياباً بدون عوائق.
والأكراد - الأقلية المُلغمة التي تنتشر في 5 دول ! - والذين نجحوا في انتزاع حكماً ذاتياً في شمال العراق، واعترافاً بميليشيا البشمركة كقوة شرعية لحماية الإقليم، قال زعيمهم مسعود برزاني في مطلع عام 2013 (إن الظروف باتت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي، وأن القرن الـ21 هو قرن الشعب الكردي ! )
هذا عن الأكراد والشيعة .. أما السنّة فالمجاهدون الاسلاميون يتدفقون من كل انحاء العالم على الشام دون احترامٍ لأي حدودٍ سياسية للمشاركة في المعركة هناك والتي عنوانها الحقيقي ( حربٌ ضد آخر حصون القومية العربية ) !

- وهذا من أقوى المؤشرات أن النظام يتغيّر .. وأن قيمة " الانتماء الديني" والعرقي في المنطقة أصبحت أعلى بكثير جدا من قيمة الوطنية والقومية، وأن القادم يختلف كثيراً عن مافات، وأن مصير الخريطة السياسية لهذه المنطقة الساخنة ومن بعدها النظام الدولي كله على وشك التغيير.

- ليست هذه المشكلة، فأنا أعلم أن هذه الحقيقة معلومة ومعروفة في أذهان الكثيرين، ولكن ماهو مفاجىء وغير معلوم أنه على الرغم أن هذا الصراع يدور على أرضنا وعلى أملاكنا إلا أننا نحن - الشعوب المسلمة صاحبة الأرض والثروة- ليس لنا فيه أي مشروع ولا استراتيجية ولا فكرة ملهمة موحِّدة، ناهيك عن كوننا لا نملك أي دولة حقيقية تحمل قضايانا أو قيادة جامعة تمثلنا.
فكل حكام العرب والمسلمين وجيوشهم عملاء للاستعمار ساهرون على مصلحته، وقد أثبتت الأحداث أنهم على استعداد لحرق بلدانهم وشعوبهم في سبيل الكرسي الذي أخذوه بالانقلابات الحرام والمال الحرام والدم الحرام !

- هذه هي الحقيقة المؤسفة .. أننا على الرغم من كل الفراغ الاستراتيجي الموجود ف المنطقة سواء على صعيد الأفكار أو المشاريع السياسية .. فلايوجد لدينا إجابة نجيب بها عن أسئلة المستقبل وتحدياته.
وقانون التاريخ ثابت لايجامل أحدا :- أن من لم يملك خطة للمستقبل فهو دائماً جزء من مخططات الآخرين، وكثيرةٌ هي مخططات الآخرين!

إن هدف هذا المقال باختصار أن يقول لأبناء هذا الجيل من الشباب الثائر، أن مهمتنا هي :- ( الإجابة ) عن تساؤلات المستقبل، والعمل لتحقيقها، والمقاومة من أجلها.

- ولكي نخرج منتصرين أو حتى نصف منتصرين من هذا الصراع يجب أن نعلم أنه لا يمكن أن يتم ذلك بدون ثلاثة أشياء :-

◘ أفكار جديدة: ينبثق منها طبيعة الصراع ، وتعكس حقيقتة وتتحلق حولها الجماهير، أفكار تصنعها نخبة مثقفة جريئة قادرة على تخيل المستقبل وعلى تشريح الواقع دون الإغراق في الأول أو القفز على الثاني.

◘ مشروع واحد:- مشروع سياسي تتوحد لأجله الطاقات والموارد، ويجمع الناس - كل الناس على اختلافاتهم - بلا تفاصيل كثيرة أبداً ..
- لقد كان الصهاينة يحشدون اليهود لإقامة اسرائيل وهم لم يتخذوا قراراً بعد هل يجعلوها في فلسطين أم أوغندا ام الارجنتين !!!!
- ونحن المسلمون ليس هناك إلا مشروع واحد قادر على جمعنا، وعلى تمثيل وجهة استراتيجية حقيقية لنا وهو مشروع "الخلافة"
- لذلك يجب التبشير بمشروع الخلافة في كل مكان، وكسر الحواجز النفسية بينه وبين تاريخ الخلافة، وتصور حدوثه ووقوعه قريباً وفي العصر الحديث !

◘ استراتيجية :- ومعناها تصور واقعي لكيفية تحقيق المشروع السياسي،وتصور واقعي لشكل الصراع العالمي في الـ10 أو 20 عاما القادمة.


الثورة الأممية هي الحل
==============

قلنا أن مايغيّر الأنظمة العالمية هي الحروب والثورات، وأثبت التجارب العصرية أنه من المحال أن تقوم دولة " إسلامية " مستقلة متمردة خارج سيطرة النظام العالمي لأنه سينفرد بها ويحاصرها ويستئصلها أو يُفشلها على الفور.

كما أثبت الواقع أن أكثر الناس إثارة للسخرية وأشد العقول بلاهة هي تلك التي مازالت تفكر وفقاً لخطوط الطول ودوائر العرض، وتغرق في الوطنية القطرية على حساب التمدد أو التحرك الأممي، متجاهلة أننا في عالم لن يصمد فيه إلا " الأمم الماموث " أي الأمم التي تملك الموارد والمساحة والعدد البشري، وأننا في زمن الأحلاف العسكرية والمنظمات الدولية والشركات القارية! لامكيننا مواجهتها إلا باستراتيجية وبتحرك أممي!

وعلى هذا فإني أرى أن " الثورة الأممية " هي الحل لتغير النظام العالمي والخروج من هيمنته، وهذه ملامح استراتيجية لكيفية تحقيق ذلك.

1 ◘ تثوير العالم المحمدي - عن طريق منظومة الأفكار الثورية الإسلامية الجديدة- بهدف تشتيت النظام العالمي وإرباكه، وخاصة في البلاد المركزية ذات الثقل السياسي الكبير - مثل مصر وتركيا والسعودية وباكستان- .

2 ◘ في حالة لم تسقط في أيدي الثوار الأممين أحد تلك البلاد أو لم تنجح الثورة فيها، فيجب إبقاء تلك البلاد المركزية مناطق ساخنة متمردة في حالة ثورة، جاهزة لتغير النظام أو جاهزة لاستقبال من يغير النظام!

3 ◘ التركيز على جبهة الشام - الشام التاريخية الكبيرة وليست سوريا فقط - كمنطلق وقاعدة لأول جيش نظامي مُحتمل لايدين بالولاء إلا لأمة المسلمين ومكلف بتحريرها، وعليه توجيه كل الدعم المادي والمعنوي والبشري له من جميع أبناء الأمة، وعلى رأس هذا الدعم الخبرات الفنية والعلمية والاكاديمية القادرة على تأسيس وإدارة دولة - بمعناها العصري الحديث - في ظروف عالمية شديدة الصعوبة.

4 ◘ احتكار شرعية تمثيل المسلمين، ولايتم ذلك إلا بالسيطرة والاستيلاء قسراً على الحّرمين الشريفين، وفرض الأمر الواقع على العالم.
ثم الاستعانة بالمسلمين وبطاقاتهم في تثبيت أركان الدولة أو الدول الناشئة، ومساعدة الدول الأخرى في التحرر على طريقة عبد الناصر مع الدول العربية والافريقية المحتلة في مرحلة الاستعمار المباشر.
ولن نتمكن من ذلك على الإطلاق حتى تسقط الدول المركزية الأكثر تأثيراً أو واحدة منها على الأقل.


- إن أفكار الثورة الأممية المتمثلة في كسر النظام العالمي وتغييره كعدو أول للأمة، وعدم الاعتراف بقيمه ولا بمؤسساته ولا بالنظم التي أنشأها ويرعاها .. وإعادة التفتيش في الذات الحضارية مرة أخرى وبعث الأفكار البنائة التي تسعى لإيجاد البدائل ولا تتوقف عند الرفض السلبي، ورفع العناوين الصحيحة للصراع والمتمثلة في الرسالة المحمدية أمام الغرب الصليبي الاستعماري.. واتخاذ الوسيلة الثورية وسيلة وحيدة للتغير وإقصاء وإبعاد كل من يسلك غيرها من الصف، وتصفير المعارك مع كل العاملين من أجل نفس الغاية، او المعارك الفرعية من أجل المعركة المصيرية الكبرى والتي نحتاج فيها لحشد الأمة كلها، والاستفادة من كل المجهودات فيها.

هذا وحده هو الحل في رأيي، وهذا وحده ماقد يُمكّن جهودنا ومقاومتنا أن تتلاقى مع بعضها مستقبلاً .. وتمكننا أن نكون جبهة واحدة أمام أعدائنا حتى لو حاربنا في اماكن مختلفة وبوسائل مختلفة، وأن يصبح لنا يوماً ما ممثلين شرعيين لايعملون إلا لمصلحتنا ولا يدينون بالولاء إلا لأمتنا.

- وفي النهاية فإني أؤمن أن هذا صراعٌ لن تحسمه البندقية وحدها، ولن تحسمه هتافات الجماهير في الشوارع وحدها، ولن تحسمه أنغام الفنانين والأدباء والشعراء وحدها، ولن تحسمه مخططات السياسين ومشاريع العلماء وحدها، ولكن سيحسمه كل هذا مجتمعاً، وكل هؤلاء مجتمعين.

ولذلك يجب أن ننشيء في واقعنا نمطاً مقاوماً جديداً، يعتمد في الأساس على المجتمعات والشعوب، لا على النخب والتيارات والأحزاب، نمط قادر على إفراز القيادات المؤهلة والمناسبة من قلب المعركة لا من غيرها.


وحتى ذلك الحين، فيبدو أن أمامنا أعمال كثيرة نقوم بها، وأيام صعبة تنتظرنا.
كما قال الشاعر السوري "علي دياب" قديماً أثناء حكم الجنرال غورو - الفرنسي المُحتل لسوريا -:-

ها العيشة تعب وأكدار .. للي في عنده أفكار.
مافيها واحد مبسوط ... مامبسوط إلا حمار !
الاسمبريد إلكترونيرسالة