JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

موت الشيخ الفضائي .. محمد حسان نموذجا

عبد الغني مزوز---
شكل الانقلاب العسكري العلماني في مصر لحظة فارقة في تاريخ الخطاب الديني الإسلامي حيث أعيد تصنيف عدد من المؤسسات والفاعلين داخل حقل العمل الإسلامي على أساس موقف كل منهم من أخطر نازلة تحل بالأمة مند عقود, وهي نازلة الانقلاب العسكري الذي دشن حقبة جديدة من حقب الحركة الإسلامية  تندر بهلوكست رهيب سيعيد مشروع العمل الإسلامي إلى نقطة الصفر من جديد بل إلى ما تحث الصفر إذا قدر له أن ينجح.

كان اصطفاف عدد من المؤسسات الدينية وعدد من الشيوخ و الوعاظ إلى جانب مشروع الانقلاب أو بالأصح مشروع "فورمات العمل الإسلامي" format صدمة أصابت البعض ولم يستطع تجاوزها إلا بعد مدة, بينما تلقاها البعض بكل هدوء وانبساطة نفس, وهو الهدوء الذي يعكس دراية كبيرة بحقيقة هذه المؤسسات وهؤلاء الوعاظ والشيوخ.
 
لقد وصلت النقمة على هؤلاء الشيوخ بعد موقفهم من الانقلاب والعدوان العلماني على مصر أن كتب أحد الكتاب الإسلاميين المعروفين منتقدا أحد هؤلاء الشيوخ وهو الشيخ محمد حسان مقالا جاء فيه:" خرج محمد حسان – منافق هذه الأمة – بعد غيبة عن الميدان، وعن المشهد كله، جبناً وتهاوناً في حق دينه، يتحدث عن لقائه بالخسيسيّ ويبرر تقاعده وجبنه في مواجهة هذه الأزمة. وبالطبع، تهدّج صوته مرات، وأشرف على البكاء مرات، وهي صنعة يتقنها هذا الدعيّ المُتصَنع.
وحسان رجلٌ يسير في ركب السلطة أيّأ كانت. لا يهتم إلا بقناته الفضائية، وما يجنيه من سمعة تدر مالا وشهرة.
أنسينا من هو محمد حسان؟ ربيب أمن الدولة، الذي كان يتعاون معهم منذ أن كان طالباً في الجامعة، بشهادته على نفسه. وكان تسميهم "إخواننا"، ويدعو إلى التعاون معهم إذ هم يحافظون على أمن مصر!
أنسينا موقف حسان من القذافي؟ كيف تذلل وتزلف، ووقف بين يدي الطاغية يصفه بحامي الإسلام؟ هذا رجل يحمل النفاق بين أضلعه، ويسرى المكر والخداع في عروقه، منذ نعومة أظافره.
بعض المتابعين يطرحون مجموعة من الأسئلة منها : إذا كان هؤلاء الشيوخ بهذا السوء وهذه النفعية وهذه البرغماتية, فكيف تسنى لهم التأثير على جماهير عريضة من المسلمين, وكيف نجحوا في إقناع جماهير واسعة من الناس بأنهم علماء وشيوخ هذا الزمان؟ هذا ما ستحاول هذه المقالة الإجابة عليه.

الثقافة التلفزيونية وصعود الشيخ النجم

لقد مثل تطور أنساق التعبير من النسق الشفهي إلى الكتابي وأخيرا نسق الصورة وما رافق ذلك من نموا وتوسع ثقافة المشاهدة على حساب ثقافة القراءة والكتابة, مثل ثورة نجم عنها اتساع الجمهور المستهلك للمادة المقدمة سواء كانت مادة سياسية أو ثقافية أو دينية, عكس ما كان سائدا قبل بروز ثقافة الصورة, حيث كانت النخبة التي تمتلك آليات القراءة والكتابة والفهم والتحليل هي التي تتموقع على طرفي الاتصال والاستقبال.

هذا التطور في أنساق التعبير والتلقي, انعكس على الخطاب الديني الذي انتقل من المنبر و الحلقة والكتاب إلى الشاشة التلفزيونية, هذا الانتقال وسع من شريحة المستقبلين للخطاب الديني لأن استهلاك الصورة التلفزيونية لا يفرض شروطا ثقافية ولا علمية ولا حتى لغوية, الكل يتسمر أمام الشاشة ليستمع إلى مواعظ الشيخ الفلاني الذي يمتلك ملكلة سفسطائية في الإقناع, تجعله في مدة قصيرة يحصد شهرة عريضة في وسط العوام, وبالتالي فالمحدد الرئيسي لعنصر الشهرة والتألق في عصر المشيخة الفضائية هو إقناع شريحة كبيرة من الناس بأحقية الشيخ الفلاني بالمتابعة لما يقدمه من مواعظ وقصص تحوز إعجاب الناس والعوام الذين لا يمتلكون آليات القراءة والنقد والتجاوز, وبالتالي فالشيخ الفضائي في هذه النقطة لا يخرج عن دائرة المتوسلين بثقافة المشاهدة من أجل حصد أكبر عدد من المعجبين وسط العوام وهؤلاء المعجبين قطعا لا يدلون على رسوخ قدم الشيخ في العلم والفكر, بل إن معظم هؤلاء الشيوخ بسطاء في التفكير ومفلسون فقهيا وعقديا ولا يملكون سوى مظهر تلفزيوني مقبول ومكاسب من السلطة القائمة سمحت لهم بالجلوس في  الاستوديوهات وأمام الكاميرات كما أن سلفيتهم المدفوعة درت عليهم أموالا طائلة من جهات معروفة مكنتهم من فتح  فضائيات خاصة بهم للاستثمار وتوسيع مشاريعهم. إذن فتغول الثقافة التلفزيونية بشكل هائل في نسق الخطاب الديني أدى إلى سقوط النخبة وبروز الشعبي, حصار النخبة وعلماء الأمة الكبار وإطلاق العنان للوعاظ والدراويش والقصاصين والمنتفعين.

إذن من أهم التغييرات التي طرأت ببروز عصر الثقافة التلفزيونية دخول فئات بشرية عريضة إلى عالم الاستقبال الثقافي, وهي تلك الفئات التي كانت مهمشة في السابق, إما لسبب ثقافي يعود إلى عدم قدرتها على القراءة بسبب الأمية أو لسبب اقتصادي لعدم القدرة على شراء الكتب والجرائد, وهذا كان يحصر دوائر الثقافة حين سيطرت الكتابة, حيث انحصرت المعرفة في فئات محددة وتغيب كثيرون ممن صاروا على الهامش.

إذن فنجومية بعض الشيوخ ليست بالضرورة لرسوخ في العلم والفقه, إنما لاتساع قاعدة الجماهير المستقبلة لمواعظهم, وهذه الجماهير معظمها يستهلك تلك المواعظ مضطرا إما لأميته أو لاكراهات اقتصادية وغيرها وإلا فبمقاييس الفكر والعلم والثقافة معظم هؤلاء الشيوخ صفر في العلم والفقه والفكر حد البلاهة.

محمد حسان الجبن و البلاهة الفكرية والإفلاس العقدي

كان من نتيجة شيوع وصعود الثقافة التلفزيونية, أن ارتبط العلم والفقه في وعي الناس ببعض الشيوخ والوعاظ الذين ليسوا بتلك الشجاعة و بذلك الرسوخ والفهم للدين الذي يمكن التعويل عليه في النكبات والنوازل التي تحل بالأمة, وبالتالي فعندما تقول لأحد من الناس إن هناك مفكرا أو عالما اسمه حاكم المطيري أو سليمان العلوان سيجيبك بأنه لا يعرفه ولكن يعرف الشيخ محمد حسان وحسين يعقوب وهو معجب بهما كثيرا, وهذه نكسة وجريمة أن يغيب(بضم الياء) علماء الأمة الكبار ومفكروها العباقرة, موازاة مع حضور القصاصين الدراويش واحتلالهم للمجال الإدراكي للناس من خلال قنواتهم وإعلامهم فنجحوا بمكر منقطع النظير في بناء تمثل مغلوط عنهم في أدهان الناس, وهم الذين يحسنون الكلام بتهدج و "غنج" سخيف وبكاء مصطنع يوحي بالتأثر والمسؤولية.

يعتقد الكثير من الناس أن من علامات الفقه والعلم استظهار الأحاديث والنصوص الشرعية وسردها عند السؤال عن مسألة ما أو فتيا ما, مع الحرص أثناء الاستشهاد بها على ذكر مضانها كما يفعل محمد حسان, ولو كان هذا من العلم والفقه لأمكن الاستعاضة عن هؤلاء الوعاظ ببعض تطبيقات الجوال التي تحمل عشرات الآلاف من الأحاديث ويكفي مثلا أن تكتب في خانة البحث في التطبيق كلمة صوم ليسرد لك التطبيق عشرات النصوص الشرعية حول الصوم وأحكامه ومبطلاته وغيرها, لكن الفقه الحقيقي هو الذي يجمع بين فقه الشرع وفقه الواقع ويكون الفقيه ملما بالسياسة ودقائقها وبأحوال الناس ومكر أعداء الأمة ومذاهبهم ودسائسهم ومؤامراتهم ويكون قبل كل ذلك شجاعا ثوريا رافضا, مستعدا للتضحية من أجل دينه وهويته وأمته وحضارته.

بعد العدوان العلماني الغاشم على اختيارات الشعب المسلم في مصر ورئيسه وهويته, وإغلاق القنوات الإسلامية بما فيها قناة الرحمة المملوكة لمحمد حسان, التزم الأخير الصمت لمدة طويلة مع أن الموقف لا يحتمل السكوت, فبينما خرج الناس رجالا ونساء إلى الشوارع وميادين الاعتصام في تحد رائع وتاريخي لجلاوزة النظام الانقلابي العلماني, التزم محمد حسان بيته آملا أن يحسم الوضع لأحد الفريقين بسرعة ليخرج كعادته منحازا إلى الغالب كما هو حال من يخشون الدوائر, إلا أن الوضع طال وبقي على حاله لم يحسم لأي طرف, وبينما كانت الشائعات تتناسل أن محمد حسان ورفاقه ممنوعون من الخطابة وهم قيد الإقامة الجبرية وهو التفسير المنطقي الوحيد الذي يفسر سكوتهم كما أنه التفسير الوحيد الذي يروج له محبوهم ومتابعوهم ويتمنون أن يكون هو الصواب, كانت الحقيقة أن هؤلاء الشيوخ يتمتعون بكافة الامتيازات التي خولها لهم قربهم من السلطة الانقلابية الغاشمة بما فيها التنقل بحرية في كافة أرجاء البلد وتركه من أجل أداء عمرة طويلة بائسة. 
وفي عز المحنة في قيظ رمضان والنساء والرجال تقتل بالمئات في مجازر متوالية سعيا من العسكر الانقلابي العلماني لاستئصال شأفة الشرفاء الأحرار من أهل مصر ظهر الشيخ حسين يعقوب النسخة طبق الأصل لمحمد حسان ليتحدث من قطرعن فضل الصدقة والإحسان, تاركا نساء بلده في مقاصل العسكر الأوغاد.

محمد حسان لم يكن يوما عالما ولا فقيها, فبعد موقفه المخزي من ثورة يناير ووقوفه إلى جانب " إخوانه" من أمن الدولة كما يقول ثم وقوفه مع المجلس العسكري, ثم وقوفه مع الانقلاب العسكري وحرصه على تزكية مدبره عبد الفتاح السيسي وإظهاره بمظهر المتدين الحريص على دين ودماء المصريين كما يقول, لم تعد هناك من ورقة ثوت تستر سوءته, الكل الآن يعلم من هو محمد حسان.

بعد ثورة يناير حاول حسان في خطبه أن يدخل ميدان السياسة والتحليل السياسي, إلا أنه أثبت للجميع أنه أمي إلى درجة البلادة في هذا الميدان, تماما كصاحبه حسين يعقوب الذي استهل مشواره السياسي " بغزوة الصناديق" قبل أن يعود إلى مواعظه وحكاياته بعد اكتشافه أن السياسة قد تعصف بمكانته وتكشف بلادته, على عكس محمد حسان الذي أصر في جل خطبه على اقتحام ميدان السياسة لكن كل آراءه في هذا الصدد مكررة لدرجة الملل والسخف أتحدى الجميع أن يرجع إلى كل خطب حسان ولا يجده يتحدث فيها عن هذه العبارات  المكررة هي كل مبلغ علمه في السياسة :" حافظوا على مصر...مصر مصرنا...مصر تسع الجميع...نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه..." إلى غيرها من العبارات.

في خضم التدافع الحضاري الهوياتي بين العسكر العلماني والشعب المصري المسلم وفي غمرة المذابح الرهيبة للسيسي وجيشه, خرج محمد حسان ليعلن أمام الجميع أنه التقى بالسيسي وجماعته في خيانة وقحة لا يجرأ عليها إلا ديوت العقيدة من الذي لا يغار على عقيدته وهي تصرخ تحث مقاصل العدوان العلماني الرهيب. خرج ليصرح بأنه تحدث إلى القاتل السيسي ووعده بكذا وكذا ودعا الجميع إلى التنازل من أجل حقن الدماء و الحفاظ على مصر, وهذه ليست وقاحة فقط بل جريمة بكل المقاييس, فبينما كانت نساء وحرائر مصر ورجالها يعرضون صدورهم العارية لرصاص الغدر دفاعا عن مصر وهويتها وتاريخها وحضارتها في وجه المد العلماني الذي ضرب بيد من حديد كل ما يمت إلى الإسلام بصلة في مصر بل وجاوز ظلمه الحدود بتنسيقه مع إسرائيل وتعاونه مع بشار وطرده اللاجئين السوريين والتهديد بالتدخل في غزة وحصارها وهدم أنفاقها وحصار المساجد وقتل المصلين والاعتقال والقتل على الزي والمظهر ومحاربة المنقبات, ووصل البغي العلماني حد منع الأذان في بعض المساجد, وقد أعلنوا في مجلس خاص لمناقشة تعديلات الدستور أن مصر علمانية بالفطرة ويجب إخراج التيار الإسلامي من اللعبة نهائيا. بعد كل هذه الحرب السافرة يخرج محمد حسان ليدعوا أبناء الحركة الإسلامية ومن يقف معهم من شرفاء مصر إلى التنازل حقنا للدماء..

محمد حسان يتمنى أن تستقر الأوضاع ليعود إلى استثماراته الوعظية, ولتذهب هوية مصر إلى الجحيم, المهم أن تعود قناته للعمل من جديد, وقد فتحث بالفعل قناته وهي الوحيدة التي فتحت من بين القنوات التي تم إغلاقها, لكن بعد تغيير اسمها وشعارها وجرى تنقيتها من بعض البرامج التي يقدمها بعض الشرفاء, وهذا يدل دلالة قاطعة على علاقات الرجل الوثيقة بالعسكر, وحرصه الشديد على إرضائهم مهما كانت شروطهم.

أريد أن أبشر محمد حسان بأن الناس لم يعودوا يطيقون مجرد النظر إليه أنا لست من مصر لكن قلوبنا مع مصر فهي التي علمتنا وربتنا وأعطتنا الكثير, أقول لمحمد حسان أعرف عشرات الناس من معارفي وأصحابي كانوا إذا شاهدوا محمد حسان على الشاشة يقفون كأن على رؤسهم الطير, يستمعون بخشوع إلى كل ما يتفوه به من كلام, أما الآن فبعد موقفه الخياني ألانبطاحي فلا يكادون يرون طلعته المشئومة على الشاشة إلا ويتسابقون إلى نبزه بأقبح النعوت ويتسابقون إلى تلقف الرموت لتغيير المحطة بأسرع ما يمكن. 

بعد تنزيل هذه المقالة على الموقع ظهر محمد حسان في رابعة العدوية مع المعتصمين, وهذه خطوة جيدة لكنها متأخرة جدا, وإذا انسنا في الرجل رشدا, كتبنا فيه مجددا ما يتناسب ومواقفه ولعل الرجل عاد إلى صوابه واستغفر الله, وستحذف المقالة مباشرة إذا قدم اعتذارا علنيا للشعب المصري ولذوي الشهداء والجرحى.





الاسمبريد إلكترونيرسالة