JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هل يدرك الإسلاميون معنى الدولة والأمة؟!

محمد شعبان أيوب---


 ليس ثمة شك في أن الخطاب الإسلامي الحركي والتأسيسي منذ القدم يتجاهل حقيقة لا مندوحة عنها، وهي: كيف يمكن أن نصل إلى الأممية؛ الأممية الإسلامية  – ولو من خلال التدرج البطيء – ونحن غارقون في إطار وأفكار وأوحال “الدولة الحديثة” لا نسعى للخلاص منها ولو حتى على المستوى البعيد والبعيد للغاية؟!
وهو سؤال لم ينتبه له إلا قليل للغاية من المفكرين الإسلاميين في خلال السنوات القليلة الماضية وحتى منذ الثورة وإلى الآن.
إن “الدولة الحديثة” مصطلح تناوله كثير من المفكرين الغربيين بالشرح والفحص والتأمل، ويعني بصورة موجزة سيطرة الدولة من خلال جهازها البيروقراطي على المجتمع، وفي رؤية آخرين احتكار الدولة للسلاح!
وهذا المفهوم لبنية الدولة يفارق بنية الدولة في الحضارة والنسق الإسلامي، المحصورة غالبًا في “حماية الدين وحراسة الدنيا” غير متغولة على المجتمع، ولذلك ظلت الأمة فوق الدولة وإن صُوّر لنا التاريخ السياسي للدولة الإسلامية بصورة المؤامرات والدسائس والتي قد تنعكس بطبيعة الحال على وضع المجتمع الإسلامي وهو ما يخالف الحقيقة جملة وتفصيلاً.
على أية حال هذا المقال الموجز لا يتناول الفرق الأكاديمي أو المعرفي بين القديم والجديد، بقدر ما يقارن – من الرؤية الاقتصادية – بصورة موجزة بين النظامين، ويفتح التساؤل الأكبر: هل الإسلاميون يملكون القدرة على تشريح بنية الدولة الحديثة؟ وهل يعرفون أن هذه الدولة تفارق نموذج الدولة في النسق الإسلامي؟! هل يدركون معنى الأمة والدولة المسلمة المنشودة؟!
***
كتب الدكتور جلال أمين كتابه المهم “قصة الاقتصاد المصري” منذ محمد علي إلى عصر حسني مبارك، وقد اعتمد في هذا الكتاب على عدة مصادر قيّمة، ومن هذه الكتب وقعت يدي على كتاب “بنوك وبشوات” لدافيد لاندرز ثم الكتاب المهم “حكم الخبراء” لتيموثي ميتشل وكلها يتناول تاريخ الاقتصاد الحديث سواء من خلال تشريحه أو بصورة موجزة أو من خلال موضوعات.
هذه الكتب وغيرها من الدراسات التي تؤرخ لمصر الحديثة اعتمادًا واسترشادًا على “الاقتصاد” أو التاريخ الاقتصادي، ذكرتني ببعض الجدة والعمق في دراسات الدكتور عبد العزيز الدوري مؤرخ العراق الكبير وأسبقيته في حديثه الماتع من خلال دراسات عدة عن “التاريخ الاقتصادي” للدولة العباسية.
إن مقارنة بسيطة بين الوضع الاقتصادي للدولة الإسلامية في عصرها العباسي “كمثال” ومقدمات الدولة الحديثة في مصر محمد علي وأبنائه تبين لنا على مستوى الدولة الإسلامية ونظامها ما يلي:
1- أن الدولة الإسلامية ظلت حتى القرن التاسع عشر محتفظة بنظامها الاقتصادي المستقل غير متأثرة بالقوة الرأسمالية التي تصاعدت منذ بروز شركات الهند الشرقية الهولندية والبريطانية في القرن السابع عشر والثامن عشر، وعمليات التجارة والاستعمار الاقتصادي للبرتغال وإسبانيا في نفس التوقيت تقريبا من خلال تطويق العالم الإسلامي من إندونيسيا شرقا وحتى المغرب وأفريقيا الغربية الإسلامية غربا.
2- أن الدولة الإسلامية غلب فيها النظام الاقتصادي المجتمعي فظلت الأمة من خلال سيطرتها على التجارة عاقدة العزم على احترام القاعدة الاقتصادية الأشهر الطلب يخلق العرض.
3- أن النظام الأخلاقي الإسلامي والقواعد المعاملاتية النبوية والفقهية ومنظومات القضاء الشرعي كانت الكفيل باستمرار هذا النمط من الاقتصاد وفض منازعاته والاجتهاد في سد ثغرات نوازله ومن ثم تطوره وتشعبه وازدهاره من خلال سهولة الحركة في إطار “الأمة الواحدة” التي لا يفصل بينها فاصل.
4- أن الدور الاقتصادي للدولة الإسلامية لم يتعد – غالبًا – حماية المنشآت والأفراد وطرق التجارة، وصيانة الأوقاف، والإشراف على مصارف الزكاة وطرائق إنفاقها واستثمارها.
5- أن هذا النمط قد أثمر ينعه وحصاده على المستوى التقني والحضاري في الدولة العباسية فرأينا التنوع والتقدم بمعناه المادي الضيق الآن فضلا عن الأخلاقي والإنساني.
6- لم تقم الحروب في الدولة الإسلامية من أجل السيطرة على مقدرات الأمم، والهيمنة عليها – سواء كانت الحرب بالمعنى الاقتصادي الضيق أو بالمعنى العسكري المصاحب – بل استغل أهل كل إقليم ثرواتهم وكانت العلاقات التبادلية هي الأصل في رواج الاقتصاد ومن ثم الحضارة.
7- لم تعاني الدولة عجزًا في فترة من الفترات إلا وكانت السياسة الاقتصادية القائمة هي الذاتية في إصلاح الخلل ومن ثم الرجوع إلى الأصل وهو الاستقرار المالي ووفرته!
أما على مستوى الدولة الحديثة فكانت أبرز النتائج ما يلي:
1- كانت القاعدة هي العكس، فبدلا من أن الطلب يخلق العرض، فقد كان ولا يزال العرضُ يخلق الطلب. وهذه القاعدة التي قام باختراعها الرأسماليون “المستثمرون” الفرنسيون والانجليز كانت السبب في إقناعنا بشق قناة السويس وتدمير أهم عناصر الاقتصاد المصري بجلب الفلاحين للقناة وتدهور الزراعة وعلى رأسها القطن ثم الاحتلال ثم احتكار القطن وصناعته ثم تطلب الأمر استخدام التقنيات الحديثة فكانت الديون خلف الديون خلف الديون منذ عباس الأول وسعيد وإلى الآن!
2- لتدمير مقومات إمارة مصر كان عليها أن تنسلخ من الخلافة العثمانية فتضعف الاقتصاد العثماني وتقع فريسة للمرابين، فكانت القاعدة الثانية الانفصام عن الأمة في إطار “المجتمع المتخيل” أو الدولة القومية بمعناها الرومانسي – أشار د خالد فهمي في كتابه “كل رجال الباشا” إلى دراسة بندكت أندرسون “مجتمعات متخيّلة” وأثر هذه النظرية على مجموعة من البشر في إطار جغرافي ما وإقناعهم أنهم شعب واحد لهم صفات معينة وتاريخ معين!
3- كان تمزيق جسد الدولة الإسلامية بعد إنشاء ما يسمى “بالمجتمعات المتخيلة” من خلال اتفاقية “سايكس – بيكو” هي القاصمة في تدمير الاقتصاد المصري ومن ثم الإسلامي.
4- كانت سيطرة الدولة أو ثلة ما على اقتصاد هذا المجتمع المتخيّل/مصر منذ الاحتلال والطبقة الليبرالية الإقطاعية في ظلاله وهم “البشوات” ثم العسكرية العسكر وإن تغلّفت بالناصرية وهيمنة الدولة الطاغوت ، ثم على ما يبدو “الإسلاميون الحداثيون” وتقديم فروض الولاء والتبعية للمؤسسات المرابية الحديثة التي اتخذت من البنك الدولي وصندوق النقد وما شابه مسميات حديثة لمنظومة “الإمبراطورية الرأسمالية الشركاتية” هي قمة اللحظة النماذجية التي تماهت فيها منظومة الاقتصاد “الإسلامي” – إن ظل لها أثر! – في إطار المنظومة العالمية التي لا تختلف كثيرًا عن “شركة الهند الشرقية الانجليزية” في القرن السابع عشر!
5- ستستمر سيطرة المرابين على العالم بهذا النمط من “الرأسمالية المتوحشة” – لا يردعه ولا يوقفه إلا أمر واحد فقط ثبت نجاحه هي الحرب والقوة العسكرية، وكل ما يقال عن بناء الأمة في إطار النظام العالمي المتمركز والمنطلق من المرابين وأشياعهم في الغرب هو كلام تافه لا يثبت أمام الحقائق التاريخية والمقارنة بين “الاقتصاد في إطار التجربة الإسلامية” و “الاقتصاد في إطار النظام الرأسمالي الغربي” ودور كل منهما في تشكيل الغايات الكبرى للأمة المسلمة.
6- الديون والقبول بها والسعي لها إنما هو اعتراف حقيقي وضمني بقبولنا واستمرارنا في المنظومة العلمانية التي يتحكم بها الغرب والغرب وحده.
الخلاصة: ظل الخطاب الإسلامي الحديث متمركزًا ومتمحورًا حول السياسي بمعناه الأداتي والإجرائي الضيق ولا يزال وهو يحسب أنه يُحسن صنعا، ونسي أو لعله تناسى منظومة الاقتصاد ودورها الأصيل في بنية الدولة الحديثة، وفي إطار السياسة والاقتصاد بمعناهم ومبناهم الحداثي فلا يمكن أن تقوم دولة/أمة إسلامية في الإطار التغريبي الاستعماري.
بالطبع فإننا لا نريد أن نعيد التجربة الإسلامية في إطار الزمكاني العباسي أو الأموي أو العثماني، وإنما إعادة التجربة الإسلامية وفق البيئة والظروف والواقع المخالف لن يكون إلا إنطلاقًا من المركز الإسلامي دون غيره وهو ما يعني أن ثمة مواجهة عسكرية على المستوى القريب أو البعيد قد تحدث بسبب جنوح الإسلاميين لهذه الاستقلالية.
الآن أتذكر قصة إنشاء النبي صلى الله عليه وسلم للسوق في المدينة المنورة وهو صاحب اليد العليا، وأتأملها بمنظور جديد، ليست الندية الاقتصادية لليهود هي التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، بقدر ما كان إنشاءً وتأسيسًا لنسق جديد يغاير المنظومة الاقتصادية وبطبيعة الحال المعرفية لليهود في إطار “رجوع كل الأمر له باعتباره القائد العام للمدينة المنورة”، وفي نهاية هذا الموجز ..أتذكر أيضًا: “لن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
الاسمبريد إلكترونيرسالة