JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

غزال فرنسا وضواري تمبكتو

عبد الغني مزوز--
ظاهريا يبدو التحالف الكوني الذي حشدته فرنسا لمحاربة القوى الإسلامية في شمال مالي تحالفا ذو بال , فإلى جانب الدول الأوربية التي تعلن تباعا دعمها لفرنسا هناك الحضور البديهي للولايات المتحدة الأمريكية, إضافة إلى الدعم العربي المتمثل أساسا في الأجواء المفتوحة لطائرات "رافال" و"غزال " الفرنسيتين ,والدعم المالي العربي المتمثل في الوعود بتسديد فاتورة مصاريف الحرب الباهظة.دون أن ننسى مجموعة من الدول الإفريقية "الميكروسكوبية" التي لم يكن يسمع بها في السابق إلا في موجات الجفاف والمجاعات والكوارث الإنسانية أو الصراعات العرقية والانقلابات العسكرية.
في الجانب الآخر يبدو أن الفسيفساء الجهادية في شمال مالي على أتم الاستعداد لوضع حجر الأساس لحرب شاملة يحرصون فيها على وصول شظاياها إلى كل "البيوت الزجاجية" المحيطة بمالي والمساندة للاجتياح الفرنسي على حد تعبير عبد الودود أبو 
مصعب زعيم تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي.

           وصفق الجهاديون...فرنسا تورطت

المتتبع للأدبيات الإستراتيجية لتنظيم القاعدة وخطط زعيمها الراحل سيكتشف أن القاعدة بنت حركتها وركزت في صراعاتها على إستراتيجية أساسية ومحورية هي إستراتيجية "الاستدراج", بمعنى استفزاز الخصم وإرغامه على النزول إلى مجال تختاره هي, ومن تم تقوم بقتاله وإنهاكه واستنزافه في حرب طويلة تنتهي بتدمير مقوماته الوجودية "الاقتصاد,القوة العسكرية,الشرعية السياسية", حدث ذلك مع الإمبراطورية السوفياتية فاندثرت ويحدث ألان مع أمريكا وهي بصدد الاندثار فعليا...وهاهي فرنسا تتورط هي الأخرى في مصيدة الاستدراج.
الثابت في صراعات القاعدة أنها بلا شك تخسر معارك البداية لكن الثابت كذلك أن نهاية الحروب دائما تكون في صالحها.
في أفغانستان خسرت القاعدة كل المعارك في بداية الحرب عام 2001 , وخسرت قواعدها وبناها التحتية وكوادرها وحوصرت القيادة في تورابورا ,وبدا واقعيا أن القاعدة تلفض أنفاسها الأخيرة خصوصا وأوامر الملا عمر تقضي بخروج كل العرب من أفغانستان.. لكن ماذا حدث بعد ذلك بسنوات قليلة القاعدة تعافت وأعادت إنتاج نفسها بقيادات جديدة وعقول ودماء جديدة واستطاعت هي وحليفتها طالبان أن تسيطر على أكثر من 70  بالمائة من أفغانستان وسيطرت فروعها الوليدة على كثير من الأقطار في طول الكرة الأرضية وعرضها وبتنا على مشارف إمبراطورية قاعدية لا تغيب عنها الشمس.

في شمال مالي يعاد إنتاج نفس الحقبة من جديد..ستدخل القوات الفرنسية والإفريقية إلى كل مواقع وقواعد الجماعات الإسلامية وستكون الكلمة المسموعة لطائرات رافال الفرنسية و بدون طيار الأمريكية وسيخسر الجهاديون عتادا ورجالا وكل المعاقل...لكن..

                الضواري ستبدأ  بالخروج

يحتفظ شمال مالي بمخزون جهادي هائل وشبكة من الجماعات المسلحة ظاهرها الاختلاف والتشظي, لكن في جوهرها التكامل والانسجام وما يجمعها أكثر مما يفرقها, سمتها الأساسية الغلظة والشدة والشجاعة, التي صقلتها الطبيعة البدوية الصحراوية لمنطقة الساحل,هذا الكوكتيل الجهادي  الذي احترف القتال والحرب لسنوات طويلة ستبدو له مهمة دحر الفرنسيين والأفارقة مجرد نزهة , وسينخرطون في مهمتهم الجديدة بكل متعة وتشويق كما لو أنها لعبة فيدو مسلية.
ستجد القوات الفرنسية كل الطرق سالكة وآمنة للتوغل أكثر نحو الشمال -وهذا ما يحدث فعلا- وسيكون للفرنسيين الوقت الكافي لفتح زجاجات الشمبانيا زهوا بمهمتهم الناجحة والسهلة..لكن ما إن تبدأ الضواري بالخروج من جحورها أنداك ستعطى الانطلاقة الرسمية لموسم جهادي جديد, سيكون زخمه أكبر من كل المواسم السابقة نظرا للظروف المتغيرة في المنطقة العربية والإسلامية, وتداعياته قد تمتد إلى عمق دول الربيع العربي خصوصا تونس وليبيا, وقد تتحول حدود هذه الدول إلى حدائق خلفية وخطوط إمداد للجهاديين في الساحل.
فرنسا ارتكبت خطأ قاتلا بمغامرتها غير المحسوبة العواقب في مالي, وعليها أن تعيد كل حساباتها من جديد, فان كانت قبل قرن مضى استطاعت أن تحتل عشرات الدول وتمكث فيها لعقود-أكثر من قرن في الجزائر-فعليها الآن أن تعيد تقييم ذاتها وقوتها بالتوازي مع تقييم قدرات وإمكانيات الخصم الجديد.عليها أن تترك كل ما كتبه "روبير مونطاني" و"ادموند دوتي" و "ألفريد دوشاتوليي" وكل السوسيولوجيين الكولونياليين الذين أعطوا الضوء الأخضر لفرنسا بالتوسع بناء على الدراسات التي قاموا بها حول الدول المستهدفة باكتشافهم قابليتها للاستعمار في القرن الماضي وما قبل الماضي.

فرنسا...مع الأسف عدت من جديد ..ستجدين كل شيء تغير..إنها الصحوة..لن تصمدي أمامها ..لكن حاولي.
الاسمبريد إلكترونيرسالة