JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

النظام الدولي وجبهة "أزواد "الجديدة

عبدالغني مزوز---
قبل أيام أجاز مجلس "الخراب" الدولي وأوصى بتدخل عسكري في شمال مالي الذي تسيطر عليه حركات اسلامية وطوارقية, وهذا القرار إن دل على شيء فإنما يدل على أن منظومة العداء والاستكبار الدولية مازال لديها من العنفوان والجرأة و "الغباء" ما يجعلها تواصل مشاريعها الامبريالية والعدوانية بحق الشعوب والأمم المستضعفة, إلا أن هذا العدوان المرتقب بحق شعب أزواد ,يختلف عن ما سبقه من أنماط العدوان والتدخلات بحق الشعوب لأنه يندرج في سياق التغيير "التكتيكي" في خطط الغرب وعقيدته القتالية التي باتت ترتكز على:
تجنب التدخل العسكري المباشر وإقحام الجندي الغربي " الغالي " في المعركة والاكتفاء بالدعم اللوجستي والأمني والقتل عن بعد باستخدام الطائرات بدون طيار, موازاة مع تشكيل قوات محلية وظيفتها الاشتباك المباشر والسيطرة على الأرض  وهذه القوات قد تكون قوات حفظ السلام أو جيش وطني جرى توظيفه لحساب الغزاة أو لجان شعبية أو صحوات أو حتى شركات أمنية خاصة كبلاك ووتر وغيرها ,وبالتالي فالتحرك المزمع اتجاه شعب أزواد هو في صميمه عدوان دولي ثم طبخ خططه في دهاليز غرف الشر المظلمة هدفه وأد صحوة شعب وربيع أمة.

وهذا العدوان الدولي ينبغي أن يقرأ في سياقه الصحيح فهو جزء من "البلطجة الغربية" التي تسعى إلى إجهاض ثورات الشعوب وتحريف مسارها ومواجهتها بكل السبل المتاحة, لأن ما حدث في أزواد هو ثورة مشروعة خرجت من رحم المعاناة والتهميش والإقصاء الذي امتد لعقود طويلة, وكان الغرب بحكم تاريخه الاستعماري وحاضره الاستغلالي المسئول المباشر عن هذا التهميش وهذا الإقصاء ومن ثم هذه الثورة وبالتالي فهو المعني الوحيد "بمعالجتها " والتصدي لها.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن ثورة الازواديين ذات طابع إسلامي فان مطلب مواجهتها وإنهائها يفرض نفسه بإلحاح شديد,بحكم العداء المستحكم في عقلية الغرب اتجاه أي حراك إسلامي في أي بقعة من بقع العالم.
وإذا استمر الغرب في هذا المسار فانه بالتأكيد سيعيد إنتاج التجربة الأفغانية في نسختها الإفريقية ,والخاسر الأكبر سيكون الغرب ومصالحه والدول المجاورة المتواطئة مع العدوان وستشهد منطقة الساحل قيام دولة "مالستان" يكون الحضور القوي فيها للفاعلين الجهاديين , وستتحول مالي إلى بؤرة استقطاب جديدة وخزانا هائلا للجهاديين الناقمين على الغرب وسياساته ورافدا أخر من روافد المشروع الجهادي العالمي الذي يسعى إلى إنهاء مركزية الغرب وسطوته على الشعوب والأمم.
غريب جدا أن يتداعى الإعلام العربي تحريضا حينا وتشويها أحيانا أخرى لمجريات المشهد الأزوادي, ويسوق للعدوان المرتقب وان بشكل غير مباشر ويعطي صورة مضللة لشعب أزواد ولانتفاضته وثورته, فيقزم المشروع الإسلامي في أزواد ويختصره في هدم الأضرحة وإقامة الحدود,الأضرحة التي ذرف لها البعض دموع التماسيح بينما لم نسمع له ركزا في عشرات المنازل والمساجد التي دمرت وأحرقت في بورما ولا حديث عن تدخل أممي ولا حتى إدانة صريحة. نعم هناك هذم للأضرحة وهذه الأخيرة وما يرتبط بها من عقيدة وثقافة لم تكن إلا عاملا من عوامل التخلف الحضاري الذي انتاب الأمة وحال دون نهوضها ووضع حد لهذه الثقافة- ثقافة استجداء الأموات والتوسل بهم- خطوة صحيحة في صيرورة إعادة إنتاج الأمة الخيرة القوية وإعادة بعتها .

إذن المركز ماض في مساعيه إلى فتح جبهة مواجهة جديدة مع الأمة في أزواد, وبكل تأكيد شعب أزواد حسم خياره واستنفد كل المساعي الممكنة لتجنب حرب قد تأتي على الأخضر واليابس, واختار المقاومة سبيلا لتحصين حريته وإرادته والدفاع عن مشروعه الإسلامي وثورته الوليدة. وبالتالي فنحن بصدد قوتين وإرادتين وحضارتين في جولة نزال جديدة لم تكن العراق وأفغانستان وفلسطين سوى جولات قد سبقت وحسمت معظمها لصالح الأمة المستضعفة.
وجدير بالذكر هنا أنه في معظم النزالات السابقة لم يكن "الحل السياسي" مطروحا كسبيل لإنهاء الأزمات بين الأمة والنظام الدولي ,لاقتناع الطرفين أن لا جدوى من ذلك,لأن شروط النظام الدولي كانت دوما تعجيزية و استفزازية بالدرجة الأولى. غير أن الملاحظ في قضية أزواد أن " الدبلوماسية الإسلامية" اشتغلت على مدار شهور في مساعي جدية لإيجاد حل سياسي "للأزمة" ,فزارت عواصم والتقت بمسؤولين بهدف تقريب وجهات النظر والخروج بصيغة تجنب المنطقة حربا شاملة ,إلا أن هذا المجهود الدبلوماسي من أنصار الدين يصطدم في الغالب بمواقف متصلبة من الأطراف الأخرى التي يحتل مطلب إنهاء حاكمية الشريعة جزءا كبيرا من رؤيتها لحل الأزمة, وهو ما لم تكن الدبلوماسية الإسلامية مستعدة للاذعان له ,لأنه يمس صميم سيادة شعب أزواد وهويته وإرادته السياسية, فخرج زعيم أنصار الدين بتصريح تاريخي يعلن فيه أنه بدل أقصى ما يستطيع من جهد لتجنب الحرب وأنه غير مستعد لتقديم تنازلات تخص الإسلام وحاكمية الشريعة.
إذن لا مفر من المواجهة ولا مفر من تدشين جبهة جديدة قد لا يعي الغرب خطر تدشينها إلا بعث فوات الأوان.
بقيت نقطة أخرى مهمة وهي ما يتصل بالرهائن المحتجزين في أزواد فأقول أن على الحركات الإسلامية هناك أن تعيد التفكير في قضية الرهائن وأن تبدأ التفكير بمنطق الدولة ومنطق السياسة وليس الجماعة أو العصابة,فمثلا استمرار احتجاز الرهائن الجزائريين هو خطأ لا بل خطيئة,ويجب إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى دويهم سالمين.
الاسمبريد إلكترونيرسالة