JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هل فعلا انتكس الإسلاميون في ليبيا ولماذا ؟


عبد الغني مزوز---

فاجأت الانتخابات الليبية الجميع عندما أسفرت عن فوز التحالف الليبرالي الذي يقوده محمود جبريل على منافسيه الإسلاميين ذوي التوجهات والمشارب المختلفة,الجميع عبر عن دهشته لما أفضت إليه الانتخابات سيما وأن الإسلاميين هم من تحملوا العبء الأكبر في مهمة الإطاحة بالنظام السابق, ودفعوا ثمن مواجهته غاليا حتى قبل اندلاع ثورة 17 فبراير بعقدين من الزمان.
المشهد الليبي معقد جدا والانتخابات وحدها لن تتحدد بها الهوية السياسية لليبيا الجديدة ,لأنه وبالموازاة مع سلطة الصندوق هناك سلطة أخرى أكبر نفوذا وهي سلطة السلاح والكتائب المنتشرة على طول ليبيا وعرضها,لذلك فليس من المستبعد أن تتحول ليبيا الجديدة إلى لبنان أخرى حيث الخريطة السياسية تتحدد بالقوة وبالسلاح.
إلا أنه يعنينا أن نعرف لماذا خسر الإسلاميون في الانتخابات والإجابة على هذا السؤال ليس بالمهمة العسيرة. فقد خسروا :
أولا: لأن التوجه السياسي للناخب الليبي يتحدد من خلال انتمائه القبلي والمناطقي وليس من خلال اقتناعه بالبرامج الانتخابية للأحزاب فالعامل القبلي عامل حاسم في عملية التصويت لذلك فاز التحالف الليبرالي الذي يقوده محمود جبريل المنحدر من أكبر القبائل الليبية "الورفلة".
ثانيا:التدخل الغربي الليبرالي إلى جانب الثورة الليبية كمنقذ لها بعدما أوشكت كتائب القدافي على مباغتتها والقضاء عليها في معقلها بنغازي, هذا التدخل لعبا دورا كبيرا في صياغة الوعي السياسي للناخب  الليبي, لأن هذا الأخير يحس كما لو أنه مدين لليبرالية الغرب المنقذة ولذلك يمكن أن نعتبر رفع الأعلام الأمريكية وتقبيلها أمام الكاميرات والاحتفاء بها,مؤشرات مسبقة عن النفس الليبرالي الذي قد يسود ويحدد الهوية السياسية لشرائح عريضة من الناخبين الليبيين خصوصا الشباب,
لافتة لأانصار الشريعة بليبيا
ثالثا: إن الشعب الليبي شعب متدين ومحافظ إلى درجة كبيرة ويحتل الإسلام مكانة كبيرة في وجدان وسلوك الليبيين ,و أثناء عملية التصويت لم يدر بخلدهم أن تصويتهم قد ينعكس على إسلامية الدولة والمجتمع, لأن إسلامية الدولة قضية مفروغ منها وغير قابلة للنقاش ولا يتصورون أن يأتي أحد بانتخابات أو بغيرها ليحدث أمرا لا يقبله الإسلام ,لأن هذا الأخير جزء لا يتجزأ من ماهية الدولة والمجتمع الليبيين،ومصطفى عبد الجليل عبر عن ذلك في خطاب التحرير عندما أعلن أن دستور ليبيا سيكون إسلاميا وستطبق الشريعة الإسلامية كاملة بما في ذلك تحريم البنوك الربوية وإنهاء حضر تعدد الزوجات,كما أن محمود جبريل نفسه يرفض أن يوصف بالليبرالي ويفضل أن يوصف بالإسلامي المعتدل.
رابعا:لقد فاز محمود جبريل لأنه كان يمثل الواجهة السياسية للثورة,ويرجع إليه فضل إقناع واستدعاء الناتو للتدخل،وكان الإعلام مسلطا عليه طوال أشهر الثورة بما يمكن اعتباره حملة انتخابية سابقة لأوانها.
خامسا:خسر الإسلاميون الانتخابات ربما لأنهم لم ينزلوا إليها بكامل تقلهم ربما لأسباب شرعية, فقطاع مهم من الإسلاميين يرفضون الانتخابات و الديمقراطية بشكل عام خصوصا وهم يحسون بالقوة والثقة والاقتدار الذاتي , وهو الشعور الذي ينتاب من يعتقد أنه في موقع القوة ,فمشاريع بعض الإسلاميين"تطبيق الشريعة" غير قابلة للاستفتاء عليها حسبهم ولا يحق لأحد أن يعترض عليها إلا من موقعه كمنافق يرفض شريعة الله,ولذلك قد يستعيض بعض الإسلاميين بسلطة السلاح في تنفيذ مشاريعه بديلا عن سلطة الديمقراطية والانتخاب.
أنا أجزم أن الانتخابات الليبية لن تكون سوى حدث ثانوي و هامشي على متن المشهد السياسي الليبي,فهل يعقل أن يقبل الإسلاميون بدولة علمانية أو حتى نصف علمانية وهم يملكون قوة ضاربة جبارة لا يستهان بها, وقناعات لا تتزحزح بفرضية إقامة دولة إسلامية وهي الفريضة التي سعوا إلى تطبيقها وأدائها وهم مستضعفون لا يملكون من أسباب القوة أي شيء وأعدادهم لا تتجاوز العشرات أو المئات في أحسن تقدير, ولم تنجح الفظاعات التي ارتكبت بحقهم في سجن بوسليم من ثنيهم عن مشاريعهم وقناعاتهم, وأعتقد أنهم ولو لم يفز أي إسلامي في الانتخابات فسيظل رأيهم قائم وأمرهم نافد.ولعل الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها أنصار الشريعة في ليبيا لدليل كبير على أن مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية كاملة أمر غير قابل للنقاش على الإطلاق .كما أن فوز الليبراليين في هذه المرحلة هو بمثابة انتحار سياسي لهم لأن الذي يلقي بنفسه في موقع المسؤولية في ليبيا الراهنة كمن يحكم على نفسه ومشاريعه بالإعدام المعنوي،لأن التحديات كبيرة والإشكالات عميقة وكل الإخفاقات ستحسب عليه وسيخصم نتيجتها من رصيده السياسي والشعبي الشيء الكثير.

الاسمبريد إلكترونيرسالة