JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

تفجيرات مومباي: هل انتهي احتكار القاعدة للعمل الجهادي؟


خليل العناني---
 في الوقت الذي كان سيد إمام عبدالعزيز (الدكتور فضل) يستكمل مراجعاته الجهادية، كانت إحدى فرق مجاهدي الهند تطبّق عملياً ما خطّه الرجل بيديه قبل عشرين سنة في كتابه الشهير «العمدة في إعداد العدة»، الذي وضعه إبان العصر «الذهبي» للمجاهدين أواخر الثمانينات من القرن المنصرم.ولعلها مفارقة أن يقترن إنهاء «منظّر» الجهاديين لوثيقته الجديدة «التعرية لكتاب
التبرئة»، مع إنهاء قوات الكوماندوس الهندية مأساة مومباي التي راح ضحيتها ما يقرب من خمسمئة شخص بين قتيل وجريح. فالخيط الناظم بين كلا الأمرين هو ما أتى به «الشريف» في وثيقته الجديدة التي وصف فيها تنظيم «القاعدة» بأنه مجموعة من المحتالين والمرتزقَة، مثلهم في ذلك مثل أية جماعة تدّعي الجهاد من أجل تبرير جرائمها، وذلك على غرار ما قامت به مجموعة «مجاهدي ديكان» التي أعلنت مسؤوليتها عما وقع في مومباي.

لن أفيض في التعليق على وثيقة «الشريف» الجديدة، فتلك قصة أخرى تحتاج دراسة موسَعّة، وإنما أشير فقط إلى ما كشفته هذه الوثيقة حول حقيقة الجهاديين وخباياهم. فنحن، وبحقّ، إزاء حالة واضحة من «التهافت» بين أرباب الجهاد وقادته، فسيد إمام «الشريف» هو أحد قادة منظرّي الجيل الأول من الجهاديين، ذلك الجيل الذي انطلق لتحرير أفغانستان من السوفيات بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية، وعاد بعدها من أجل تحرير الدول العربية من «طغاتها وحكامها» على حد قولهم آنذاك. وهو أحد مؤسسي «تنظيم الجهاد» أواخر السبعينات، وتولى «إمارته» من العام 1987 وحتى 1993. وقد أصدر «الشريف» كتابين مهميّن أولهما هو «العمدة في إعداد العدة» عام 1988، الذي يعتبره كثيرون بمثابة «دستور الجماعات الجهادية» حول العالم. والثاني هو «الجامع في طلب العلم الشريف»، الذي قِيل إن أيمن الظواهري قد سرقه منه عام 1993 وقام بتحريفه ونشره على حلقات في نشرة «المجاهدين» التي كانت تصدر من لندن آنذاك، ما حدا بـ «الشريف» إلى الانفصال عن التنظيم والهجرة إلى اليمن للاستقرار هناك، وتولىّ الظواهري قيادة تنظيم الجهاد بدلاً منه.

«الشريف» أصدر وثيقته الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وأطلق عليها اسم «وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم»، تلك التي اعتبرها البعض حدثاً غير مسبوق، وبالغ آخرون في أهميتها مدّعين أنها سوف تنهي حالة العنف في العالم، وهو ما لم يحدث طبعاً. فقد وقعت بعدها تفجيرات مرعبة في الجزائر واليمن وباكستان وأخيراً في الهند. في وثيقته تلك تراجع «الدكتور فضل» عن الكثير من فتاواه وأفكاره التكفيرية والجهادية التي أراقت دماء الآلاف في العالم العربي وخارجه. ولعل أفضل ما أحدثته الوثيقة أنها «فتحت النار» على أيمن الظواهري وكشفت الكثير من مكنون حركته الجهادية، بخاصة وأن سيد إمام كان قد أجرى لاحقاً حواراً نشرته جريدة «الحياة»، بدا حينها أهم من المراجعات ذاتها، حيث تخلّى فيه «الشريف» عن «وقار» الشيخ، وقذف الظواهري بأقذع الألفاظ وأردإها.

وفي آذار (مارس) الماضي قام الظواهري بإصدار وثيقة «التبرئة» للرد على مراجعات الشريف، التي وسمها بأنها من «صنيعة» أجهزة الأمن المصرية والاستخبارات المركزية الأميركية، متهماً «الشريف» بمحاولة «تثبيط همم المجاهدين لتحقيق مكاسب شخصية والخروج من المعتقل» حسبما جاء في الوثيقة.وقبل أيام قام «الشريف» بصياغة ردّ على ردّ الظواهري، شمله في وثيقة «التعرية لكتاب التبرئة»، تلك التي جرى نشرها طيلة الأيام القليلة الماضية. وفيها لم يقم «الشريف» فقط بمجرد الردّ «الفقهي» على حجج الظواهري، و «أكاذيبه» على حد وصفه، وإنما اتهمه فيها صراحة بالارتزاق والعمالة. وكان أهم ما نعت به «الشريف» حليفه السابق الظواهري أنه «مجرم وكذّاب دولي»، متهماً إياه بالتآمر مع السودانيين «من أجل تنفيذ عشر عمليات في مصر مقابل الحصول على مئة ألف دولار أوائل التسعينات». والأكثر من ذلك ما ذهب إليه «الشريف» حين «كفّر» الظواهري صراحة بالقول إن تحريف الظواهري لشروط الجهاد وموانعه «قد يؤول به إلى الكفر بسبب تبديله وتغييره لكلام الله ورسوله الكريم» على حد تعبيره.

خمسة مبادئ رئيسية، من بين أحد عشر، خطّها «الشريف» في وثيقته المذكورة، كي يدين بها الظواهري وجماعته، في حين تنطبق جميعها على ما اقترفته مجموعة الـ «26» الأشقياء في مومباي قبل أيام. أولها «فقه التبرير»، فقد برر المهاجمون أفعالهم التي قاموا فيها باستهداف عشرة مواقع بين فنادق ومقاهٍ ومستشفيات ومحطات قطار بأنها جاءت من أجل «إطلاق سراح جميع المجاهدين، ووقف الاضطهاد ضد المسلمين»، وذلك حسبما صرّح أحدهم لوسائل الإعلام. وثانيها «فقه التترس»، وهو أن يتم «قتل المدنيين في بلاد الكفر من أجل قتل الترس الكافر» وذلك على حد قول الشريف، الذي يرى أن تنظيم «القاعدة» قد استنّ هذا المبدأ من أجل تبرير عملياته التي وقعت في نيروبي ودار السلام عام 1998 وهو ما فعله المجاهدون «الجدد» في هجمات مومباي، حيث كان القتلى جميعهم من المدنيين بالإضافة إلى رجال. وثالثها مبدأ «التكفير والقتل بالجنسية» أو «القتل بالجُملة»، وهو مبدأ أفرد له «الشريف» حيزاً معتبراً في وثيقته «التبرئة»، مشيراً إلى أن الظواهري قد أسرف في اللجوء إلى هذا المبدأ من أجل تبرير قتل الأميركيين ومن عاونهم من دون التفرقة بين مدنيين أو عسكريين، وهو ما حدث أخيراً في هجمات مومباي التي استهدفت الأجانب من الأميركيين والبريطانيين والإيطاليين والكنديين واليهود. ورابعها مبدأ «الغدر بالعدو ونقض عهد الأمان»، ذلك الذي استحلّ به تنظيم «القاعدة» القيام بهجمات 11 سبتمبر 2001. فقد نقض محمد عطا ورفاقه عقْد الأمان (تأشيرة الدخول الى أميركا) من أجل القيام بعملياتهم المرعبة في نيويورك وواشنطن. وهو ما قام به «مجاهدو ديكان» الذين دخلوا الهند على قوارب مطاطية من دون أن يتعرض لهم أحد، وما لبثوا أن أشاعوا الذُعر وغدروا بالعشرات. وخامسها مبدأ «قتال العدو البعيد»، وهو المبدأ الذي اعتمده أسامة بن لادن والظواهري من أجل حشد الجميع خلف تنظيمهما. فقد قام مهاجمو مومباي بمهاجمة الأميركيين والبريطانيين (العدو البعيد) احتجاجاً على دعمهم للهند في مواجهة باكستان حسبما ردد أحدهم، وذلك من أجل حشد مسلمي الهند خلفهم.ما بين وثيقة «التعرية» للشريف، وما وقع في مومباي لا يمكن أن تخطئه العين. وهما معاً يدفعان الى ضرورة إعادة النظر فيما آلت إليه «الحالة الجهادية» حول العالم وقراءة إحداثياتها الجديدة.

وهنا يمكن رصد خمس ملاحظات رئيسية، أولاها أننا لم نعد إزاء عمليات جهادية بالمعنى الكلاسيكي، كتلك التي جرت طيلة الثمانينات من القرن المنصرم من حيث القتال لأجل قضية عادلة أو مبدأ نزيه، كطرد محتلّ أو إعادة حقوق لأصحابها. وإنما بالأحرى إزاء عمليات تقوم بها تنظيمات وجماعات من «المرتزقَة» تسعى لتنفيذ أجندات متقاطعة سياسياً وعقائدياً. ثانيها، أن هذه التنظيمات الجديدة لن تتورع عن تحريف و «تلبيس» الجهاد بأفكارها ومعتقداتها الفاسدة، وذلك على غرار ما ذكره «الشريف» في مراجعاته في ما يخص مبادئ «فقه التبرير، والقتل بالجملة، والقتل بالغدر، وفقه التترس»، وهي جميعها مبادئ تبدو جليّة في خلفية العمليات التي تقوم بها هذه التنظيمات. وثالثها أن العصب الرئيسي لمعظم هذه التنظيمات هو من الصبية والفتية الذين لم يتجاوزوا العشرين من أعمارهم، وهو ما ينصرف على الملتحقين بتنظيم «القاعدة» في الجزائر واليمن والعراق والمغرب وأخيراً في الهند. ورابعها، أن بريطانيا باتت تمثل حاضنة اجتماعية خِصبة لإفراز وتخريج «الجهاديين الجدد»، وهي ظاهرة زادت باضطراد خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ما يشي بضرورة دراسة تشابكات العلاقة بين هؤلاء الجهاديين وأوطانهم الأصلية. وخامسها، أن تفجيرات مومباي تعلن عملياً نهاية مرحلة تنظيم «القاعدة»، وانتهاء احتكاره للعمل الانتحاري حول العالم، وتدشن مرحلة جديدة من العمل «الجهادي»، أبرز ملامحها عولمة التخطيط والتجنيد، ومحليّة الأهداف والتنفيذ، وذلك في ما يشبه حركات «التمرد» التي تملأ العالم من شرقه إلى غربه.
الاسمبريد إلكترونيرسالة