JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

تطور الخطاب والانفتاح على الآخر..عهد جديد للجماعة الإسلامية بمصر


علي عبد العال ---
إنها حركة إسلامية جديدة وأيضاً (معتدلة) تلك التي تنشأ الآن بين ثنايا المجتمع في مصر، اسمها "الجماعة الإسلامية"، لا علاقة لها بتلك التي حملت السلاح ـ طيلة عقدين من الزمان ـ في مواجهة الدولة إلا تشابهاً في اسمها وأسماء كبار قادتها॥ لم أعد أشك أن هذا هو الانطباع الذي سيستقر في نفس أي مطلع على أدبيات ومفردات الخطاب الجديد للجماعة الإسلامية، حتى يظن أنه أمام وليد جديد، في عهد جديد، شعاره التصالح والتعايش مع الواقع

فمنذ قبول أجهزة الدولة المصرية مبادرتها لوقف العنف، وخروج كبار قادتها من السجون عام 2003، لاحظ المتابعون لمسيرة الجماعة اتخاذها العديد من الخطوات من أجل تغيير صورتها القديمة، متبنية في سبيل ذلك خيارات سلمية في التعامل مع قضايا المجتمع والحياة.


فقد أصدرت مراجعاتها الفكرية في أربعة كتب رئيسة، أشرف علي صياغتها كبار قادة الجماعة من سجونهم: هي (مبادرة وقف العنف) ، و(تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء) ، ثم (النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين) ، و(حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين) وهي المراجعات التي على أساسها تم الافرج عنهم وعن أغلب المسجونين من عناصر الجماعة.

كما اتخذت الجماعة شعاراً جديداً لها، تقتضيه المرحلة الجديدة، يتمثل في المصحف الشريف تحيطه الآية الكريمة: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، مستبدلة به الشعار القديم الذي كان يتضمن السيف والمصحف والآية الكريمة: (وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).

وقد أطلقت الجماعة الإسلامية موقعها الإلكتروني (الرسمي) لتتخذ منه منبراً إعلامياً، تطل به على المجتمع بخطابها الجديد، وكان بحق الخطوة الأهم باعتباره المتنفس الوحيد والواجهة الإعلامية، الذي عكس موقف الجماعة من الأحداث الجارية داخلياً وخارجياً، وبقيت من خلاله تدلو بدلوها في مختلف قضايا الشارع والرأي العام، وأولته قياداتها اهتماماً كبيراً.


وقد سجل المتابعون لتطورات الجماعة الإسلامية في مصر، نقطتين جوهريتين في مسيرتها الحالية :

1 ـ تطور الخطاب الإعلامي

ـ فمن خلال عدد من البيانات الرسمية الصادرة عن الجماعة، والتي تعرضت فيها لبعض قضايا وهموم المجتمع المصري، إلى جانب مجموعة من المقالات والتصريحات والكتابات التي نشرت بأقلام كبار قادتها، تم رصد التحول الفكري والحركي الذي انتاب الجماعة، التي ظلت طيلة سني صراعها مع النظام الحاكم لا ترى غير القوة وسيلة للحسم.. ولعل التحول الأبرز كان في شكل الخطاب المقدم، ونوعية القضايا، وزاوية معالجتها.

فمثلاً، تجد الدكتور ناجح إبراهيم ـ أهم منظري الجماعة ورئيس تحرير موقعها ـ يكتب مقالاً حول "الاحتفال بعيد الأم" ، يناقش فيه الدعاة اللذين يحرمون الاحتفال بهذه المناسبة، ويتحدث عن "الأثر الفعال لهذا اليوم في تربية الأجيال على بر الأمهات.. وتذكير الناس جميعا ً بفضل الأم"، وهو خطاب كان يدخل ضمن إطار المحرمات من قبل، حتى وإن لم ينس فقيه الجماعة أن يدعو الناس إلى العمل على التخلص من المخالفات الشرعية لهذا اليوم ليصير مناسبة إسلامية.

وقد لوحظ تزايد اهتمامهم بالشأن الداخلي، من خلال التطرق لبعض القضايا الاجتماعية (كالثانوية العامة، والمسألة القبطية)، والاقتصادية (كالغلاء والدعم وأسعار الحديد)، والثقافية (كإشكالية الدعاة الجدد، ومشاكل الفتوى). فتجد مقالاً لأسامة حافظ بعنوان "الثانوية العامة بين إحباط المتفوقين واستعلاء الغشاشين" ضمن ملف كامل عن التعليم والثانوية العامة والغش في الامتحانات، نشره موقع الجماعة على مدار أسابيع.

وفي أعقاب التوتر الطائفي يكتب أسامة حافظ عن "المصريون والتسامح الديني" ، وتحت عنوان "وكدت أضرب بسبب جدول الضرب" يكتب سمير العركي ـ وهو أحد عناصر الجماعة المفرج عنهم حديثاً ـ مقالاً يشرح فيه فضل أستاذه القبطي: "صاحب المدرسة الابتدائية التي قضيت فيها سنوات الابتدائية والذي أثر في شخصيتي تأثيراً بالغاً ومازالت توجيهاته تطبع تصرفاتي إلى وقتنا الحالي". وفي المقالة يصف العركي أستاذه بأنه: "لم يكن مهذاراً بل جل ما يفعله أن يتبسم وفقط ، ولم أذكر أنني رأيته ذات مرة يمازح مدرسة أو امرأة أو يتسفل في الحديث أو يسب طالباً، بل كان صمته مبعث الرهبة التي تشملنا عندما نراه يسير في المدرسة أو يدخل علينا في الفصل".

تحت عنوان "وتمنيت هزيمة الأهلي" يكتب طه الشريف مقالاً يقارن فيه بين فاجعة موت عدد من الشباب المصري المهاجر إلى أوروبا غرقاً وهزيمة النادي الأهلي، في أسبوع واحد، أمام النجم الساحلي التونسي.. في نهائي كأس رابطة أبطال الدوري الأفريقي.

كما لوحظ استخدامهم لمترادفات لم يكن اللجوء إليها ممكناً من قبل، فتجد عصام دربالة ـ وهو أحد أبرز القيادات ـ يكتب مقالاً عن ارتفاع أسعار الحديد ، تحت عنوان "يا حديد قولي رايح على فين" على منوال أغنية عبد الوهاب الشهيرة "ياوابور قولي رايح على فين". وتحت عنوان "قانون عيال بصحيح" ينتقد أسامة حافظ قانون الطفل الذي أقره البرلمان المصري.

2 ـ انفتاح ملفت على النخب الثقافية والسياسية

الملمح الثاني في العهد الجديد للجماعة الإسلامية ـ إن صح هذا المسمى ـ ما لوحظ من انفتاحهم على النخب الثقافية والسياسية والدينية في مصر. ومما استرعى الانتباه في هذا الإطار: الاهتمام البالغ الذي أولاه ثلاثة من قادة الجماعة لحوارهم مع المستشار طارق البشري، الذين ذهبوا للقائه جميعاً وهم: أسامة حافظ ، وعصام دربالة، ومحمد ياسين، حيث أجروا حواراً مطولاً نشروه على حلقتين، تناولوا فيه قضايا فكرية وتاريخية وسياسية واجتماعية. ومما جاء فيه :"استمعنا لتقييمه (البشري) لأحداث وشخصيات عديدة في تاريخ مصر الحديث.. أغلبها مثير للجدل كسعد زغلول.. وقاسم أمين.. والإمام محمد عبده.. والشيخ حسن البنا.. والشيخ على عبد الرازق.. وجمال عبد الناصر".

وفي اتصال هاتفي حكى منتصر الزيات ـ محامي الجماعات الإسلامية ـ كيف أن عاصم عبد الماجد وعصام دربالة، وعقب خروجهم من السجن مباشرة، ذهبوا إلى نقابة الصحفيين لحضور ندوة كان يعقدها حزب "الوسط" ، وذلك رغبة منهم في التواصل مع المفكرين والاندماج مع المجتمع وقواه السياسية ونخبه الثقافية، ضمن توجهات يتماشوا فيها مع السلوك الحياتي للإنسان المتدين.

وفي أعقاب وفاة الروائي المصري نجيب محفوظ ، أصدرت الجماعة الإسلامية بياناً رسمياً، بخط الدكتور ناجح إبراهيم تحت عنوان: "وداعاً نجيب محفوظ" ينعي الأديب الذي كانت عناصر الجماعة نفذت ضده محاولة اغتيال، وقال البيان : "رغم أن الخلاف الفكري كان محتدماً بين الحركة الإسلامية خاصة وعلماء المسلمين عامة وبين الأديب الكبير نجيب محفوظ - رحمه الله - وذلك منذ كتابته لرواية (أولاد حارتنا) إلا أن هذا الخلاف الفكري لا يمنعنا من ذكر ما للرجل وما عليه.. وأهم ما نقول في هذا المجال الآتي: بوفاة الأديب المصري العالمي/نجيب محفوظ تكون الرواية العربية قد فقدت أحد أهم أركانها، بل لا نبالغ إذ نقول.. أنها قد فقدت الأب الروحي".

ثم يضيف : "إن محاولة الاعتداء على الأديب الكبير لم تكن تمثل خطاً عاماً في الجماعة.. فالخلافات الفكرية إنما هي محل الجدل والحوار وليس القتل والاغتيال، وما وقع للأديب الكبير إنما كان عملا فردياً قام به بعض المنتمين إلى الجماعة والمطاردين آنذاك، ولو رجعوا إلينا لنهيناهم أشد النهي عن هذا العمل الذي تعتبره الجماعة الإسلامية خطأ في حق المفكر".

وفي دائرة الانفتاح على نخب المجتمع، أعاد موقع الجماعة نشر مقال للكاتبة سناء البيسي, تحت عنوان : "الغزالي‏..‏ سيد الدعاة" منشور أصلاً في "الأهرام" تتحدث فيه الصحفية عن العلماء المتنورين وحكمتهم في الدعوة والحياة. كما أجرى الموقع عدد من المقابلات مع مثقفين ودعاة كالحوار الذي أجراه ناجح إبراهيم مع شيخ الدعوة السلفية في الإسكندرية الدكتور ياسر برهامي، الأمر نفسه الذي فعله مع الدكتور سليم العوا الذي نشر حواره تحت عنوان "في الأسرة تعلمت الدين, وتعلمت الحياة".

ولعل ناجح إبراهيم ـ بالذات ـ قد تميز عن باقي قادة الجماعة بانفتاحه الملحوظ منذ خروجه على عدد كبير من الساسة والمثقفين في مصر. وفي تعليقه على هذا الملمح يقول : "لقد فرضت علينا سنوات الصدام المسلح مع الدولة عزلة إجبارية عن كثير من طوائف المجتمع عامة والحركة الإسلامية خاصة.. حيث أن التواصل معنا ولو لمجرد التواصل أو التعاطف كان يعد جريمة كبرى.. ولذلك خاف الجميع من مجرد التواصل أو حتى التعاطف معنا أو حتى السعي للتفاهم والصلح بيننا وبين الدولة".

يضيق : "والجماعة الإسلامية تعرف أقدار الناس وفضلهم منذ زمن طويل وإن لم تستطع التعبير عنه إلا الآن .. فنحن نعرف قدر المستشار البشري مثلا ً منذ أن كنا في السجن .. وندرك عظمة موقفه منذ أوائل التسعينات .. والحكم التاريخي الذي أصدره حينما كان رئيسا ً لمحكمة القضاء الإداري بعدم جواز تحويل المدنيين لمحاكمتهم أمام القضاء العسكري. وتعرف قدر المرحوم نبيل الهلالي المحامي لمواقفه العظيمة في الدفاع المجاني والدعم اللا محدود لإخوة الجماعة الإسلامية في محاكماتهم رغم الاختلاف الفكري العميق بيننا.. ولذلك كتبنا عن فضله ورجولته وشهامته. ونعرف قدر الدكتور يوسف القرضاوي وأحببناه منذ التسعينات وكنا جميعا ًنحفظ النونية منذ السبعينات ونتغنى بأبياتها في السجن. ولكن المصيبة أننا لا نعرف من الذي أفهم الشيخ القرضاوي في فترة سجننا أننا نمنع كتبه أو نهاجمه أو نطعن فيه.. هذا لم يحدث أبدا ً .. ولكن المشكلة كيف يتسنى لنا في فترة سجننا أن نعرفه بأنفسنا ونحن في مهلكة فظيعة.

أما بخصوص النخب الثقافية و السياسية وتفاعلها مع مبادرة الجماعة الإسلامية فنستطيع أن نقسمهم ثلاثة أقسام:

القسم الأول : فهؤلاء الذين تقبلوا المبادرة قبولاً حسناً واستبشروا بها خيراً وعملوا على تدعيمها وهؤلاء كثر ولله الحمد.

القسم الثاني : فأولئك الذين أحرقت المبادرة قلوبهم لأنها حرمتهم من رؤية الأرض تشتعل من تحت أقدام الدولة والإسلاميين وتأتى على الأخضر واليابس وهم معروفون ولا داعي لذكرهم.

القسم الثالث : فهؤلاء لم يراوحوا مكانهم وظلوا في أماكنهم لا يدرون ماذا يفعلون وأظنهم الآن قد علموا أن الجماعة كانت صادقة في توجهاتها وفى تخليها النهائي عن الصدام المسلح.

مغزى هذا التحول

يكاد يجمع الباحثون والمهتمون بملف "الجماعة الإسلامية" في مصر والتحولات التي طرأت عليها، على أن أهداف مرحلة العهد الجديد للجماعة، باتت تتركز في العمل على محو صورة العنف القديمة التي رسخت في أذهان الناس عنهم، والتعايش مع المجتمع من خلال مؤازرته في همومه ومشاكله، وإظهار التأييد والتعاطف مع رجل الشارع حيال معاناته اليومية، باعتبارهم جزء من هذا المجتمع يصيبهم بعض ما يصيبه. هذا إلى جانب خلق صورة مرنة تهيء لهم أرضية للنقاش والتحاور مع نخب ثقافية وسياسية ودينية مقبولة لدى العامة.

يقول منتصر الزيات : "كنت قريباً منهم (قادة الجماعة) حينما وجهوا عدد من الرسائل إلى رؤساء الأحزاب في مصر، وقد حملتها لهم، حيث كانت تدعو إلى مؤازرتهم في طرح فكرة وقف العنف، التي كانت تتشكك الدولة وأجهزتها الأمنية في صحة نواياهم منها، وقد طالبوا رؤساء الأحزاب بمساعدتهم، إلا أن هؤلاء لم يستمعوا لمطالبهم، ولم تصدر عنهم أدنى استجابة".

معتبراً أن ذلك النهج الجديد هو لب وجوهر فكرة المراجعات لديهم، على ما فيه من نضج فكري، بعد أن حركتهم حياة السجون والمعاناة ليراجعوا قناعاتهم.

أما أبو العلا ماضي ـ وكيل مؤسسي حزب "الوسط" وأحد أهم المتابعين لملف الجماعة الإسلامية ـ فقد ألمح إلى كيف أن خشونة نقاشاتهم مع الآخر أخذت تميل إلى الدبلوماسية متمشية مع تحولهم عن منهجهم القديم. تابع : ولما كنت قد انتقدتهم عندما طرحوا المبادرة في المرة الأولى، لأن بعض أشاراتهم إلى التخلي عن الأفكار العنيفة كانت لازالت سطحية، فقد راجعوا ذلك بالفعل وتخلوا عن الكثير من أفكارهم السابقة، ولعلك أول ما تلحظ ذلك في كتاب "الحاكمية" للدكتور ناجح إبراهيم، ففيه عودة عميقة عن الخطاب القديم.

ويشير أبو العلا ماضي إلى تفاوت ملحوظ بين قيادات الجماعة الإسلامية تجاه فكرة التغيير، حيث تجد من بينهم عناصر متقدمة بخطابها نحو التطور أمثال ناجح إبراهيم، وأسامة حافظ ، بينما على العكس تجد شخصيات قيادية أخرى أكثر تحفظاً أمثال عصام دربالة، وهو أمر عادي بالنسبة للتنظيمات والجماعات السياسية على مستوى العالم، لأن هناك من القيادات دائماً من يسبق لقبول الفكر الجديد وفتح القنوات مع الآخر.

وفي تعليقه على هذه المعطيات، يقول الدكتور ناجح إبراهيم : "كان لابد من الوقوف مع النفس ومراجعة أعمال السنوات السابقة لتصويب الخطأ وتطوير الصواب وتفعيله. فكانت المشكلة الكبرى التي واجهتنا ورأينا أنها ستعوق مسيرتنا نحو خدمة العمل الإسلامي مشكلة الصدام المسلح مع الحكومات.. وما جره علينا وعلى المجتمع والحركة الإسلامية من مفاسد عظيمة. فعملنا على وقف الصدام المسلح عبر مبادرة وقف العنف التي أطلقناها عام 1997م وتم تفعيلها عام 2001م . ثم اتجهنا نحو معالجة جذور العنف داخل الجماعة من خلال سلسلة تصحيح المفاهيم التي صدرت تباعاً والتي مثلت ملامح التطور في خطاب الجماعة الإسلامية".

يضيف : "لم يكن الانغلاق على الذات من أصولنا وثوابتنا حتى وإن ألجأتنا إليه ظروف الصدام المسلح في وقت من الأوقات.. لأننا ننظر إلى المجتمع نظرة رحمة وشفقة ونعمل على النهوض به ومعالجة أدوائه". "نحن في كل يوم نصحح ونصوب.. رغم أن هامش الحرية الذي نعمل فيه بسيط ومتواضع للغاية .. ولكننا نصبر علي قدر الله"
الاسمبريد إلكترونيرسالة