JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

"الجهاديون" وسباق الفرص في سوريا

كمران بخاري ___
 في مقطع فيديو مصور نشر على شبكة الإنترنت في الثاني عشر من فبراير بعنوان "إلى الأمام يا اسود الشام"، أعرب زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" عن تأييد تنظيم القاعدة للانتفاضة الشعبية في سوريا. وحث الظواهري من خلاله المسلمين في تركيا والعراق ولبنان والأردن لمساعدة الثوار السوريين في نضالهم ضد دمشق. وجاء البيان بعد أيام فقط من تقرير لمجموعة "ماكلاتشي" الصحفية نقل عن مسئولين في الاستخبارات
الأمريكية لم يذكر أسمائهم قولهم أن الذراع العراقي لشبكة الجهاد الدولية قام بتنفيذ هجومين استهدفا منشآت استخبارية سورية في دمشق، بينما صرح "عدنان السعدي"، نائب وزير الداخلية العراقي، في مقابلة مؤخرًا مع وكالة الأنباء الفرنسية أن عناصر جهادية عراقية كان تنقل مقاتلين وأسلحة إلى داخل سوريا المجاورة.
ولطالما كان الهدف طويل المدى لتنظيم القاعدة هو الإطاحة بالحكومات العربية لتسهيل الطريق لعودة نظام الخلافة دون التقيد بالحدود الجغرافية. وقد تضمنت تكتيكاته بشكل رئيسي "عمليات إرهابية" تهدف إلى التسبب في تدخل الولايات المتحدة في المنطقة. وقد تطلعت القاعدة إلى أن تؤدي مثل هذه التدخلات بدورها إلى إثارة انتفاضات شعبية من شأنها إسقاط الأنظمة العربية وفتح الطريق أمام الجهاديين لاعتلاء السلطة في نهاية المطاف. إلا أن مساعي الشبكة الجهادية باءت بالفشل وظلت كلاعب هامشي في العالم العربي. وبتوجيه الخطاب إلى سوريا، فإن القاعدة تأمل في النفاذ إلى حركة الانتفاضات العربية، وهي الحركة التي لم تلعب فيها دورًا يذكر أو أي دور على الإطلاق.
وقد كانت الأنظمة الحاكمة في المنطقة في موقف دفاعي نظرًا لصعود تيار الإسلام السياسي، وتزايد خيبة الأمل الشعبية والانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة، بالرغم من ذلك كان التدخل العسكري الأجنبي مطلوبًا للإطاحة بهم فعليًا كما شاهدنا في ليبيا.
ويمنح تنامي حالة عدم الاستقرار في المنطقة والضعف التدريجي لهذه الأنظمة الجهاديين فرصة سانحة للتأكيد على أهميتهم. إلا أن بيان الظواهري مع ذلك لا يمثل إلا استمرارًا لعجز القيادة المركزية للقاعدة عن القيام بما هو أكثر من إصدار بيانات مسجلة من مخبئهم في باكستان فكيف بالمشاركة في التخطيط الاستراتيجي.
الجهاديون وثورات الشرق الأوسط
ودائمًا ما تتضمن الأجندة المتطرفة للقاعدة مناشدة محدودة للجماهير العربية. إلا أن الاضطرابات الشعبية في البلدان العربية والتمكين الذي أحرزه الإسلام السياسي من خلال الانتخابات في مصر وتونس قد أبرز غياب تأثير الجهاديين على المجتمعات في العالم الإسلامي. فقد أخفق الجهاديون في الإطاحة بأي حكومة قائمة في أي مكان بالعالم الإسلامي، وحتى في أفغانستان التي صعدت فيها طالبان إلى السلطة في منتصف التسعينات كان ذلك في ظل حالة من الفراغ السياسي. وإدراكًا منهم لحدود نفوذهم، ركز الجهاديون على شن هجمات تهدف إلى خلق أزمات في البلدان المستهدفة وكذلك في العلاقات الخارجية لتلك الدول- - كما هو الحال في كل من باكستان واليمن. فقد كان أمل الجهاديين هو خلق اضطرابات بما يكفي ليكونوا قادرين على انتزاع السلطة في نهاية المطاف.
وقد أثبت هذا النهج  صعوبته نظرًا إلى أن الحكومات العربية (بالرغم من ضعفها)  طالما كانت ذات مرونة  كما أن التفتت المجتمعي لم يعمل في صالح الجهاديين. وكان الخيار الثاني هو محاولة الاستفادة من فراغ السلطة الذي صنعته قوى أخرى. ومثلت العراق إحدى هذه الفرص عندما أطاحت القوات الأمريكية بالنظام البعثي عام 2003، ما سمح لانبعاث أكثر أذرع القاعدة نشاطًا آنذاك. وقد مثلت الغالبية الشيعية في العراق عائقًا صعبًا أمام الجهاديين حتى من قبل أن يدفع الجهاديون حلفائهم من العراقيين السنة إلى النقطة التي شرعوا فيها بالوقوف إلى جانب الأمريكيين؛ ما أسفر عن إضعاف الشبكة الجهادية في العراق. على النقيض من ذلك، فإن ليبيا ما بعد القذافي مع اكتظاظها بالمليشيات- وبعضها له ميول إسلامية وجهادية- يمكن أن تصبح مكانًا أكثر قبولاً بالنسبة للجهاديين. إلا أنه حتى في حال انزلقت ليبيا إلى الميليشية؛ فإن جغرافيتها من شأنها على الأرجح أن تمنع ذلك من الانتشار بعيدًا وراء الحدود الليبية.
ومع ذلك، فبالنظر إلى موقع سوريا الإستراتيجي على مفترق طرق العديد من خطوط الفصل الجيوسياسية، فإن انهيار الدولة السورية قد يؤدي ببساطة إلى صراع إقليمي. ويعارض معظم أصحاب المصالح فكرة التدخل العسكري الأجنبي في سوريا لهذا السبب على الأخص. وتضع العديد من الدول نصب عينها الهدف الإستراتيجي المتمثل في إضعاف إيران من الناحية الجيوسياسية من خلال الإطاحة بالنظام العلوي في سوريا، غير أن حتى ذلك الاحتمال قد لا يكون كافيًا للتعويض عن التكاليف المحتملة.
الاحتمالات أمام الجهاديين في سوريا
وسواء بالتدخل الأجنبي أو من دونه، فإن العناصر الجهادية بالمنطقة لديها مجالاً واسعًا للمناورة في سوريا. ويعد أكبر تواجد إقليمي للجهاديين هو القائم عبر الحدود السورية في العراق. وكانت هذه القوى قد استفادت من قرار دمشق دعم المقاومين السنة ما بين عام 2003 إلى 2007. إلا أن تعزيز السلطة الشيعية في العراق أضعف تلك القوى على نحو كبير. أما في الوقت الراهن بينما تتفكك سوريا وتتشكل المقاومة المسلحة المناوئة للنظام، يغير التدفق الجهادي مساره حيث تدخل العناصر الجهادية حاليًا إلى سوريا قادمة من العراق.
وسعى تنظيم القاعدة في العراق إلى تكريس حالة الحرمان التي يعانيها العراقيون السنة على أيدي الشيعة، غير أن التنظيم يتطلع في الوقت الراهن إلى مساعدة السوريين السنة على تعزيز أنفسهم على حساب العلويين؛ المدعومين من قبل إيران. وعلى الأرجح تحاول القوى الجهادية التي على مرمى حجر من سوريا استغلال عدم شعبية النظام العلوي بين المسلمين السنة كوسيلة لكسب موطيء قدم لها في سوريا.
ويصب مستوى التحزبية بين الثوار السوريين في صالح القوى الجهادية. وتمامًا كما كانت تتعاون القوى العشائرية السنية في العراق والإسلاميون والبعثيون مع الجهاديين ضد كلٍ من القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية الجديدة التي يهيمن عليها الشيعة، فإن العديد من عناصر الطائفة السنية في سوريا ستكون على استعداد للاصطفاف إلى جانب الجهاديين كنتيجة للعوائق التي يلاقونها في قتالهم ضد الجيش السوري المدجج بالسلاح والذي يهيمن عليه العلويون.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن جهاز الاستخبارات السورية طالما شجع وجود صلات مع الجهاديين بهدف حماية دمشق من الهجمات الجهادية واستغلال الجهاديين في حروب بالوكالة ضد دول مجاورة لسوريا. إلا أنه بينما تزداد البلاد انغماسًا في الصراع الداخلي ويثقل كاهل جهاز الاستخبارات بالاضطرابات المندلعة في البلاد، فإن هذه العناصر الجهادية ممن كانوا على قائمة رواتب الاستخبارات السورية يمكن أن تنقلب على مدربيها على غرار ما حدث في باكستان واليمن.
وبالإضافة إلى العناصر الجهادية المتمركزة في العراق وأولئك الذين طالما عملوا مع النظام السوري، فإن كلاً من الأردن ولبنان المجاورتين تستضيف على أراضيها قوى جهادية ترى كذلك فرصًا في حالة الاضطراب في سوريا.  وكذلك فإن لدى المملكة العربية السعودية مناضلين سنة أثار غضبهم مقتل إخوانهم من السنة على أيدي من يطلقون عليه النظام العلوي "الكافر". وكما سبق وأعاد السعوديون توجيه جهادييهم نحو القتال في العراق بدلاً من المملكة العربية السعودية، يمكن للرياض أن تشجع العناصر الجهادية غير الرسمية الفاعلة للقتال في سوريا. كما أن الفتوى التي أصدرها حديثًا عدد من كبار علماء  السنة (ومن بينهم بعض أبرز السعوديين) والتي تحظر الانتماء إلى قوات الأمن السورية من شأنها أن تسهم في هذا الصدد.
ويعارض أصحاب المصالح في المنطقة رؤية أي تدخل عسكري أجنبي؛ وهو الأمر الذي لم يدع إلا خيار تقديم الدعم السري في صورة إمدادات أسلحة للثوار السوريين. ويمكن توقع أن يستغل الجهاديون مثل ذلك الدعم السري بينما يسعون لإقحام أنفسهم في سوريا. وحتى إذا كانت الأسلحة غير مقصود بها الوصول إلى أيدي الجهاديين، فإن التدفق المتزايد للسلاح والتدريب إلى سوريا يقدم فرصة إضافية للجهاديين للاستفادة من هذا الدعم من خلال تقديم خبرة قتالية أكثر حنكة للمقاومة المسلحة التي لا تزال غير منظمة.
غير أنه في الوقت الذي لا يرغب فيه أي من المعارضين للنظام السوري في الداخل أو أصحاب المصالح في الخارج في رؤية انزلاق سوريا إلى صراع طائفي، لا يريد الجهاديون إلا ذلك. وكما هو الحال في العراق، فيمكننا أن نرى العمليات التفجيرية ضد العلويين وغيرهم من الطوائف غير السنية؛ بما فيها أهداف تابعة لإيران و"حزب الله". وهو ما يمكن أن يتسع إلى هجمات في لبنان في محاولة لتأجيج صراع طائفي إقليمي.
ويمكن للجهاديين أن ينجحوا في إثارة صراع طائفي إقليمي قد يضم العديد من الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية؛ كما سنرى كلاً من إيران والسعودية تخوضان حربًا قوية بالوكالة. ناهيك عن أن تورط الغرب أو "إسرائيل" في الصراع من شأنه أن يسر الجهاديين أكثر.
وبناء على ذلك، فإنه من مصلحة الجهاديين معارضة أي تسوية تفاوضية في سوريا. وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح من المسئول عن الهجمات الانتحارية التي استهدفت الاستخبارات السورية يومي 23 ديسمبر 2011 والسادس من يناير، إلا أنهما قد قدما خدمة لهدف الجهاديين؛ حيث دفعت الهجمات بالنظام إلى قمع المعارضين (المسلحين والعزل) ربما على نحو أشد قسوة.
وبينما يرد الثوار ومناصروهم بالمثل، يمكن للجهاديين تأجيج دائرة من العنف المؤدي إلى بيئة شديدة الاستقطاب. وهو ما قد يجعل النتيجة الأخيرة لمثل هذا التحرك هو انهيار الدولة السورية وظهور العديد من الفصائل المسلحة ومن بينها الجهاديين.
وانهيار الدولة السورية بدوره من شأنه أن يتيح للعناصر الجهادية مساحة واسعة للعمل فيها تمتد من لبنان وحتى العراق، كما يضعهم على مسافة قريبة جدًا من الأردن و"إسرائيل" والأراضي الفلسطينية- - وهو أفضل مسرح عمل يمكن أن يأمله الجهاديون. بالرغم من ذلك، فإن طبيعة قدراتهم- والتي يمكن على أساسها تحديد مدى الضرر الذي يمكنهم إلحاقه بالشام والمنطقة المحيطة بها- لا تزال غير واضحة.
وليس حتمي على الإطلاق أن ينتعش الجهاديون في سوريا ويستخدمونها كنقطة انطلاق لتقويض الوضع الأمني الإقليمي؛ فالدولة السورية لا تزال مهيمنة إلى حد كبير فيما لا تزال القوى الثورية تعاني من انقسامات ولا تبدو قادرة على تنفيذ خطوات جدية إلى الأمام ضد الحكومة.
خطر نشوب حرب طائفية إقليمية

تأتي الاضطرابات السورية في وقت تتزايد فيه حدة التوترات الجيو سياسية والطائفية في المنطقة، فيما تسعي إيران وحلفائها من الشيعة العرب إلى تحقيق امتيازات في البلدان العربية ذات الغالبية السنية.

أما بالنسبة لطهران ووكيلها غير الرسمي، المتمثل في جماعة "حزب الله" الشيعية اللبنانية، فإن بقاء النظام العلوي في سوريا- والذي يدين في بقائه حتى الآن إلى إيران- أمر بالغ الأهمية. فكلٍ من إيران و"حزب الله" لديه تواجد عسكري داخل سوريا يعمل على مساندة دمشق في محاولاتها لاحتواء الانتفاضة الشعبية. وهو ما يشكل مصدر قلق كبير لأصحاب المصالح بالخارج، لاسيما المملكة العربية السعودية. حيث تعتبر الرياض هي  اللاعب الإقليمي الأكثر حماسًا لرؤية تغيير النظام في سوريا من أجل تقويض التهديد الذي تمثله إيران.
من جانبها، تجد حكومة العراق الموالية لإيران حافزًا قويًا للتأكد من عدم قدرة العناصر الجهادية في العراق على نقل تمركزهم إلى سوريا. فبغداد تعرف جيدًا أن انهيار النظام السوري من شأنه أن يؤدي إلى إحياء المقاومة السنية ضد الشيعة؛ وهو آخر شيء يرغب شيعة العراق في رؤيته.
وترغب كلاً من الولايات المتحدة وتركيا في ضمان عجز القاعدة عن اختطاف الانتفاضة السورية. لكن واشنطن وأنقرة ليس لديهما الأدوات اللازمة لضمان ألا يشق الجهاديون طريقهم عبر الحدود السورية مع العراق، والأردن، ولبنان.
ويتفق السعوديون مع هذه الرؤية؛ غير أنه نظرًا لكونهم بعيدين إلى حد ما فإنهم ربما لن يمانعوا في حدوث ما يكفي من الفوضى لإسقاط النظام السوري؛ الذي هو أقرب حليف عربي لإيران.
ويخشى الأردن بشدة من تداعيات الوضع في سوريا في الوقت الذي يتعاطى فيه مع اضطرابات متصاعدة داخليًا، كما أن لديه اهتمام قوي للتأكد من أن العناصر الميليشية الإسلامية على أرضه غير راغبة في دخول الصراع السوري. في الوقت نفسه، فإن لبنان قد تنزلق إلى صراع طائفي، لاسيما مع تضاؤل قدرة سوريا على الاحتفاظ بنفوذها هناك، فيما يرى السعوديون فرصة سانحة ويشعر الإيرانيون بأن موقفهم بات معرض للخطر.
إن فقط الكيفية التي ستتحرك بها الأطراف المتعددة المتحركة في هذا التفاعل الديناميكي هي من سيحدد إلى أي مدى يمكن أن تصبح سوريا وضواحيها حلبة للجهاديين. فالانهيار المحتمل للدولة السورية يزيد بشكل كبير من خطر اندلاع حرب طائفية إقليمية يمكن للقاعدة الاستفادة منها كثيرًا. ومن ثم فإن التحدي أمام أولئك الذين يسعون إلى تغيير النظام في سوريا هو كيف يمكن تخليص البلاد من النفوذ الإيراني بينما لا يتم فتح الباب أمام الحركة الجهادية العابرة للحدود.

*كمران بخاري: باحث ومحلل سياسي بشركة "ستراتفور" للدراسات الإستراتيجية.
الاسمبريد إلكترونيرسالة