JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

تنظيم القاعدة يستشرف مستقبله في اليمن بإستراتيجيات تؤبد وجوده في المناطق التي يسيطر عليها وتسهِّل عليه توسيع نفوذه في أخرى.



عبد الرزاق الجمل--

بوصول أنصار الشريعة إلى مديرية حبان في محافظة شبوة أو إلى المناطق القريبة منها، سيكون بينهم وبين مدينة عتق عاصمة المحافظة أقل من خمسين كليم، وهي مسافة قريبة من المسافة التي تفصل بين هذه المديرية وبين مدينة عزان التي يدير التنظيم شئونها منذ أشهر، في المحافظة ذاتها. وتزامن هذا التمدد مع عودة المواجهات بقوة إلى مدينة زنجبار بمحافظة أبين هذا الأسبوع، بعد أن كانت المواجهات قد توقفت أو خفت وتيرتها منذ أن أعلن الجيش أنه دخل المدينة، قبل أن يجد نفسه في أطرافها الشرقية وغير قادر على التقدم إلى وسطها لإخراج مسلحي أنصار الشريعة منها، بل لم يستطع حماية نفسه من عمليات المسلحين الذين يسيطرون على معظم أجزاء المدينة، رغم ما يقال في وسائل الإعلام عن تقدمه في المواجهات. ومع أن الأمر في ظاهره قد يبدو كما لو أن التنظيم يحاول توسيع رقعته الجغرافية تحسبا لأي مستجد قد يحدث في محافظة أبين، وفي مدينة زنجبار تحديدا، خصوصا مع تزايد أعداد مقاتليه يوما بعد آخر، إلا أن التنظيم يؤكد أن وجوده في مديرية حبان استدعاه ما حدث في الطريق العام خلال الأيام الأخيرة من أعمال تقطع وسرقة للمسافرين، وكان آخر هذه الأعمال تعرض بعض قطاع الطرق لقاطرة في منطقة قرن السوداء ومصادرتها، وقرن السوداء منطقة تقع بين النقبة والعرم باتجاه المحفد، ولم يجد سائق القاطرة من يستنجد به لإعادتها سوى أنصار الشريعة، والذين استجابوا بدورهم له ولنداء المسافرين الذين يمرون من تلك الطرق بشكل عام. وكان التنظيم في الأسابيع الماضية قد عمل على تأمين الطريق العام الرابط لمحافظة شبوة بمحافظتي أبين وحضرموت في كل من مديرية المحفد بمحافظة شبوة ومديرية أحور بمحافظة أبين، بعد أن شهدت المديريتان أعمال تقطع غير مسبوقة. جدير بالذكر هنا أن أكثر من مديرية في محافظة شبوة كانت قد تقدمت لأنصار الشريعة بدعوات للتواجد في مناطقها، بعد أن أثبتوا قدرتهم على ضبط الأمن في
مدينة عزان التابعة إداريا لمديرية ميفعة، لكنهم لم يتجاوبوا بشكل سريع مع تلك الدعوات خشية أن لا يكون هناك رضا شعبي تام. وإذا ما نجح أنصار الشريعة في تأمين كثير من الطرق العامة، سواء الرابطة بين مناطق محافظة شبوة أو الرابطة بين المحافظة ككل وبين المحافظات المجاورة لها، فإن أسطورتهم، لا شك، ستكبر، كون تأمين تلك الطرق على امتداداتها الطويلة، مهمة ليست بالسهلة في بلد يتجنب الناس التنقل بين محافظاته ليلا بسبب ما يحدث فيها من أعمال تقطع ونهب، بل وقتل. ولعل من يسافر من صنعاء إلى محافظة مأرب أو من صنعاء إلى محافظة الحديدة أو من صنعاء إلى محافظة صعدة، أو من طرق أخرى تربط بين كثير من المحافظات، يدرك الدلالة المهمة لتأمين الطرق. تجدر الإشارة هنا إلى أن المعلومات الواردة من مدينة عزان بمحافظة شبوة تؤكد إطلاق أنصار الشريعة لإذاعة محلية محدودة البث على الموجة القصيرة «إف إم» (FM) تبث أناشيد ومحاضرات جهادية، وتأتي فكرة الإذاعة بعد أشهر قليلة من فكرة النشرة الإخبارية "مدد" التي تصدر كل عشرة أيام وتنشر أخبار ومستجدات التنظيم في محافظتي أبين وشبوة، والفكرتان تأتيان في إطار السعي الحثيث للتنظيم لتطوير أدواته الإعلامية. والتوسع أيضا ضرورة لم يعد أنصار الشريعة أو تنظيم القاعدة في اليمن مجرد مجموعة من الأفراد النشطين يتخذون من كهوف الجبال الوعرة أماكن للاختباء، كما كان عليه حالهم في السابق، بل باتوا مجموعات كبيرة قوامها آلاف المقاتلين والدعاة، وبات حضورهم لإدارة شئون الناس كسلطة. وفي ظل هذا الوضع يصعب على تنظيم القاعدة أن يعود إلى ما كان عليه في السابق، فليس هناك ما يكفي من الكهوف في جبال اليمن الوعرة يمكن أن تحتوي كل هذه الجموع، بالإضافة إلى صعوبة الحركة لكل هذه الأعداد، ولن يقدمهم التنظيم أيضا كنزلاء في سجون النظام القادم، والذي يتوقع أن يكون أكثر جدية في مجال الحرب على التنظيم. ومن هذه المخاوف قد تأتي فكرة التوسع والحصول على مزيد من الأرض، فمن جانب سيتمكن التنظيم من تشتيت جهود خصومه، ومن جانب آخر سيكون لدى مقاتليه مساحة كبيرة من الأرض يمكنهم التنقل فيها بسهولة إن صعب عليهم الوضع في أية منطقة من المناطق التي يسيطرون عليها. والتنظيم في اليمن يدرك جيدا أنه سيخوض معارك شرسة في محافظة أبين بعد تنتهي الأمور المتعلقة بنقل السلطة، مع من يصفهم بـ"العملاء الجدد"، كون القضاء عليه أو إضعافه من أولويات الخارج الداعم للحكومة الجديدة، ولن ينتظر التنظيم حتى يحدث ذلك ليبدأ بتوسيع رقعته الجغرافية أو بالبحث عن بدائل أخرى. خيارات أخرى ومع أن التوسع الجغرافي إستراتيجية مهمة، بالنسبة لتنظيم القاعدة في اليمن، تفاديا لما قد يحدث مستقبلا، إلا أن لديه خياراته الأخرى، فهو يعتقد أيضا أن هناك محاولة لحصره في منطقة أو مناطق معينة، ليسهل القضاء عليه لاحقا، خصوصا وأن المناطق التي يتواجد فيها لا تخلو من أعين الخصوم ورصدهم. لهذا حرص مؤخرا على التواجد بشكل غير ظاهر في كثير من محافظات ومناطق اليمن، كخلايا نائمة يمكن أن تتحرك لغرض تخفيف الضغط عليه في المناطق التي يتواجد فيها بشكل علنـي، إن حصل ضغط في المستقبـل، وهو عمل يعتقد التنظيم أنه فاعل جدا، وقد اختبره في محافظة لحج وفي مدينة عدن أثناء اشتداد القصف عليه بأبين وآتى أكله. فكثير من الذين نفروا مؤخرا من محافظات اليمن المختلفة إلى محافظتي أبين وشبوة، يقوم التنظيم بتأهيلهم على طريقته الخاصة ومن ثم إعادتهم إلى المحافظات التي قدموا منها، وقد يكون للتنظيم خططه الأخرى من وراء ذلك، والأمر المؤكد هو أنه يضع المرحلة القادمة وحساباتها في حسبانه دوما، ويستعد لها من الآن، بصور مختلفة، منها ما هو ظاهر مشاهد ومنها ما يظل سريا وغير ظاهر في إطار خطته العسكرية للمرحلة القادمة. والمتوقع القيام به، من خلال طريقة تفكير التنظيم في الجانب العسكري، أن يرد على خصومه "قوات الحكومة الجديدة" بالمثل، أي كما تهددون أمننا في المناطق التي نسيطر عليها وندير شئونها، سنهدد أمنكم في المناطق التي تسيطرون عليها وتديرون شئونها، وأدواتنا أكثر فاعلية، بالإضافة إلى الخبرة الطويلة في هذا المجال. وهذا تقريبا ما قاله الشيخ أنور العولقي في حديثه عن إستراتيجية التنظيم في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، حين اعتبر العملية التي كان سيقوم بها الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب في أوساط تجمعات أمريكية تحتفل بعيد الكرسمس، ردا على ما قامت به طائرات أمريكا من قتل للنساء والأطفال في قرية المعجلة بمحافظة أبين عام 2009م. كما أن العملية التي استهدفت حافلة تقل مجموعة من ضباط الأمن السياسي عام 2009م في العاصمة صنعاء، جاءت ردا على ما قامت به القوات الحكومة في محافظة مأرب خلال العام ذاته، بحسب المسئول العسكري للتنظيم، أبو هريرة الصنعاني. وربما تكون العاصمة صنعاء ومدينة عدن مسرحا لذلك، لما للعمليات في هاتين المدينتين من حساسية خاصة، بالنسبة للنظام المحلي وبالنسبة للخارج أيضا، ولعل عمليات التنظيم المتكررة في مدينة عدن ضد منتسبين إلى أجهزة الأمن في الآونة الأخيرة كان عبارة عن مقدمة لذلك، أما العاصمة صنعاء، فرغم حضوره فيها، إلا أنه راعى حساسية الوضع الثوري فيها على ما يبدو، لكن الوضع في المستقبل لن يكون على ما هو عليه اليوم. وتمثل المناطق التي يتواجد فيها أنصار الشريعة أوراق ضغط مهمة، بالنسبة لهم، كونها المناطق التي توجد فيها أو في المحافظات المجاورة لها، أكثر موارد اليمن من الغاز والنفط، وقد يلجأ التنظيم لاستخدام هذه الورقة إن تعاملت الحكومة الجديدة مع مناطق سيطرته بشكل استثنائي من حيث توفير الخدمات وغيرها في المستقبل لغرض الإيقاع بينه وبين السكان المحليين في مناطق السيطرة، حد تعبير بعض مقاتليه. على أن دحره من المناطق التي يسيطر عليها ليس بالأمر السهل، حتى لو وجدت في تلك المناطق أجندة فاعلة على صلة بجهات في الحكومة الجديدة يمكن أن تراهن عليها في حسم معركتها مع التنظيم، كشباب الإخوان المسلمين الذين لهم حضورهم الكبير في المحافظتين اللتين يسيطر عليهما أو على معظمهما التنظيم، خصوصا في محافظة شبوة. التنظيم كأمر واقع في مناطق سيطرته ربما ارتبطت مصالح الناس، في مختلف مناحي الحياة، بوجود التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها، خصوصا في محافظة أبين، أكثر من ارتباط مصالح التنظيم بالناس وبمناطقهم، وترتبُ الحياة على هذا النحو قرابة عام في تلك المناطق يضعنا أمام حالة من التمازج يصعب فصلها مستقبلا بعمل عسكري. وفي ظل هذا الأمر سيجد الناس أنفسهم في صفوف تنظيم القاعدة للدفاع عن مصالحهم بدرجة رئيسية في حال حدوث أي عمل عسكري على نطاق واسع ضده، علما أن هناك مناوئين للتنظيم في مناطق سيطرته كما أن هناك متضررين من المعارك التي دارت في محافظة أبين خلال الأشهر الماضية بين التنظيم وبين القوات الحكومة، وكان للغارات الجوية التي شنتها مقاتلات يمنية وسعودية وأمريكية، دور كبير في ذلك. أخبار مواجهات زنجبار من مصادرها تناقلت بعض وسائل الإعلام أخبار المواجهات الأخيرة الدائرة في مدينة زنجبار بين الجيش ومسلحي القاعدة، ونقلت تلك الوسائل عن شهود عيان في مدينة لا وجود فيها لغير الجيش ومسلحي القاعدة، نقلت أخبارا تفيد بوجود تقدم ملحوظ لقوات الجيش من الناحية الشرقية للمدينة، والتي يتمركز فيها منذ أشهر، أي منذ وصوله إلى تلك المناطق من جبهة دوفس التي بقي فيها قرابة أربعة أشهر دون أن يتمكن من التقدم إلا بعد أن انسحب مقاتلو التنظيم من الجبهة. كما تحدثت تلك الوسائل عن قتلى بالعشرات في صفوف مسلحي القاعدة، ومن خلال ما نشرته صحيفة محلية يومية فإن حصيلة قتلى التنظيم خلال ثلاثة أيام تصل إلى نحو سبعين قتيلا، بينهم قيادات أجنبية، بينما لا يصل عدد مقاتلي القاعدة الذي يتمركزون في منطقة باجدار، والتي تعتبر خطا فاصل بين الطرفين، لا يصل عدد من يتمركزون فيها من مقاتلي القاعدة إلى خمسة وعشرين مسلحا، أي ثلث عدد القتلى التي تحدثت عنهم تلك الوسائل. مصادر في القاعدة سخرت من الأعداد التي تتناقلها بعض وسائل الإعلام، بالذات المحلية، وأكدت في اتصال مع "الوسط" أن ما حدث يأتي على النقيض مما نشر في تلك الوسائل، حيث تمكن مقاتلو التنظيم، بحسب المصدر القاعدي الذي فضل عدم ذكر اسمه، من قتل ما يقرب من خمسين من قوة وحدات مكافحة الإرهاب من ذوي الزي الأسود، حد تعبيره. وأضافت المصادر بأنهم تمكنوا أيضا من تدمير خمس دبابات للجيش وحميضة " طقم مدرع" وطقم عسكري وكراد "قلاب كبير"، فيما سقط في صفوف التنظيم شخص واحد يُدعى إبراهيم الصنعاني يوم الاثنين الماضي. وأكدت تلك المصادر أن الجيش حاول التقدم فعلا من الجهة الشرقية للمدينة، لكن الخسائر التي تكبدها خلال أيام المواجهات الثلاثة أجبرته على التراجع، ليكتفي بعد ذلك بالقصف المدفعي والصاروخي بشكل عشوائي ولمناطق متفرقة في مدينة زنجبار. وما يحدث الآن في جبهة باجدار يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث في جبهة دوفس قبل أشهر، إلا أن ما سيحدث لاحقا لن يشبه ما انتهت إليها أمور مواجهات دوفس، حيث كان التنظيم حينها يخوض حروبا تقليدية، بينما ما يحدث في باجدار هو عبارة عن مواجهات تشبه حروب العصابات، وتشبه الحروب التقليدية أيضا، بالإضافة إلى اختلاف ظروف وطبيعة الأرض التي تدور فيها المعارك، على اعتبار أن باجدار غير مكشوفة وظروفها مواتية كثيرا لأعمال الكمائن، أي أن التنظيم قد لا ينسحب تكتيكيا منها كما انسحب من جبهة دوفس، لأنه لا يتواجد فيها بالشكل الذي يتطلب انسحابا أصلا. وإذا كان الوصول إلى منطقة اللواء الذي كان محاصر "25 ميكانيكي" هو ما أنجزته الحملة العسكرية الكبيرة خلال سبعة أشهر، رغم أن ذلك لم يتم بجهد عسكري خالص، فإن تحرير محافظة كاملة بمديرياتها الإحدى عشر من سيطرة تنظيم القاعدة سيتطلب أعواما، خصوصا إذا لم تستقر الأوضاع لحكومة محمد سالم باسندوة الجديدة. والخلاصة أن التنظيم، في ظل ما تحقق له خلال الأشهر الماضية، يفكر أولا في الحفاظ على ما تحقق، وفي تحقيق مزيد من المكاسب ثانيا، في ظل ظروف قد لا تتكرر مجددا.
الاسمبريد إلكترونيرسالة